الاختبار النفسي ضروري لتأهيل السائق
يختزل الكثيرون حوادث المرور في أرقام وإحصائيات ورسومات بيانية تتأرجح بين صعود ونزول محتشم. فمن وراء تلك الأعداد تكتب السيارات المحطمة مآسي حقيقية تعيشها عائلات الضحايا يعتصر قلبها ألما وحزنا على فقد حبيب أو إعاقة دائمة، سببها غياب الضمير الجمعي لسائق متهور أو راجِلٍ ظنّ في لحظة لامبالاة أنه يسير لوحده في الطريق.
أزال المندوب الوطني للسلامة والأمن عبر الطرق أحمد نايت الحسين، عند نزوله ضيفا على منتدى «الشعب»، الغطاء عن حكاية مجتمع يرفض ضميره الخضوع للعقل والمنطق لكبح جماح رغبة تبحث عن بلوغ أقصى حد لعداد سرعة اخترعها الإنسان لتخفيف أعباء الحياة، لكنها وبسبب انعدام الوعي تحولت إلى آلة «حادة» تخترق أنيابها جسد كل شخص وقف في طريقها أو ساقه القدر أن يكون أمامها.
يتذكر الكثير منا الفيديو الذي كان بطله دركي صعد حافلة لنقل المسافرين في إحدى الولايات الداخلية، ليعطي راكبيها درسا في السلامة المرورية، لكنه وفي لحظة غلبته فيها إنسانيته ترجّى الجالسين احترام قانون المرور، لأنه وزملاؤه أصبحوا لا يستطيعون جمع أشلاء ضحايا حوادث المرور المروعة، هي نفس الحالة النفسية التي عاشوها سنوات العشرية السوداء، فحوادث المرور وصلت إلى درجة «التنكيل» بجسد الضحية.
هول الحوادث التي تسجلها مختلف طرق الجزائر وضع الكل في حيرة عن نجاعة الردع والصرامة في تطبيق القانون، فلا سحب رخصة السياقة ولا وضع السيارة في المحشر استطاعا منع السائق من الرضوخ إلى السرعة التي تحددها الإشارات المرورية، ولا إلزام الراجل والمشاة باحترام ممر الراجلين والسير في الأرصفة بعيدا عن القطع العشوائي، استطاع منع أو التقليل من إرهاب الطرق.
المعاناة والمآسي التي تعيشها العائلات الموجوعة، تستدعي وضع النقاط على الحروف، لأننا اليوم أمام تلذذ البعض بتصوير أحزان الغير لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بحثا عن الإثارة، لذلك كان من الأَوْلَى التفكير في تكوين الفرد كخطوة أُولى للحد من حوادث الطرق، وكذا تشديد العقوبات ضد كل سائق وراجل سولت له نفسه تجاوز القانون والتسبب في المجزرة المرورية.
النقطة الفاصلة
ارتفاع حوادث المرور، سواء في الطرق السريعة أو الحضرية وتزايد خسائرها البشرية والمادية، جعل من التربية المرورية النقطة المحورية للحد من هذه الظاهرة، ونقصد بها الدور المنوط بالأسرة والمدرسة في تكوين طفل، معارفه المكتسبة تمكنه من أن يكون مواطنا واعيا بخطورة عدم احترام القانون، دون إغفال دور مدارس السياقة في إضافة اختبار نفسي للمترشحين لتحديد مدى تأهيلهم السيكولوجي لقيادة سيارة. فالكثير ممن يجلسون وراء المقود، يرى في السياقة مجرد لعبة إلكترونية!. وبالنظر إلى مدى عدم احترامهم لقانون المرور، نجد أنهم فشلوا في الخروج من العالم الافتراضي، بالرغم من ان الميت فيه ينهض ليواصل مهمته، أما في الحقيقة هي موت بلا رجعة.
في ذات السياق، يؤكد المختصون أن المدرسة تؤدي دورا مهما في نشر التربية المرورية في المجتمع، ما يجعل من المعلم عنصرا أساسيا في هذه العملية، لذلك لابد من تدريبه على المعارف والمهارات المرورية وتمكينه من طريقة تدريسها، لأن نشرها في البرامج الدراسية مرتبط بتدريب القائمين عليها حتى يكون القدوة والمثال الأول في احترام القانون.
وقد حددت بعض الدراسات برامج دراسية خاصة بالتربية المرورية، بما يتلاءم بالأطوار التعليمية الثلاثة. وقد وضع بعض الباحثين تصورا للمواضيع الخاصة بكل مرحلة تعليمية، بحيث اقترح الباحثون في الطور الابتدائي إدراج معلومات بسيطة عن قواعد وإشارات المرور وكذا طريقة عبور الطريق، من خلال احترام الإشارات الضوئية أو ممر الراجلين، بالإضافة إلى أهمية حزام الأمن وأثاره الإيجابية لمستخدميه، سواء كان سائقا أو راكبا.
أما مرحلة التعليم المتوسط فاقترح الباحثون التركيز على دروس معينة هي الوقاية من الحوادث، لافتات المرور، الإشارات على اختلافها، تجنب اللعب وسط الطريق، إلى جانب تزويد المتعلم بنصائح في طريقة استخدام وسائل النقل على اختلافها. أما الطور الثانوي فهي خاصة، لأنها تمثل للكثير ممن يدرسون فيه بداية القيادة للحصول على رخصة السياقة.
لذلك، يجب أن تتمحور المواضيع حول الأرصفة والخطوط الأرضية والمشي على الطريق، الإشارات الضوئية واللافتات المرورية، إلى جانب تعليمهم قيادة الدراجة والسيارة بطريقة آمنة، بالإضافة إلى مخالفات المرور وحوادث السيارات، وأخيرا تزويدهم بكل المعلومات حول السيارة، الإطارات والإسعافات الأولية.
إدراج التربية المرورية في المناهج الدراسية، سيساهم، مع مرور الوقت، في غرس ثقافة مرورية لدى الفرد، تسمح له بالابتعاد عن التجاوزات الخطيرة وعن عقلية «التباهي» بالقيادة المجنونة في الطرق.