نظام صرف مرن لوقف نزيف العملة الوطنية

تحرير الدينار وإخضاع العملة لقانون العرض والطلب

فتيحة كلواز

السياسة النقدية تتحكم في توجّه الدينار

اعتبر الخبير المالي، أمحمد حميدوش، إدماج السوق الموازية في السوق الرسمية الحل الناجع لتجاوز تأثيراتها السلبية على حركة النقود في الدورة الاقتصادية، حيث تمر بثلاث مراحل، الأولى تهتم بالإحصاء، أما الثانية فتتمثل في مساهمة التجار الموازين بطريقة نسبية في الضرائب، وأخيرا الانتقال من كل ما هو جزافي أو شبه ضريبة إلى ما يعرف بالضريبة الجزافية يحدد فيها نسبة معينة من الأرباح تدفع سنويا، معتبرا تحرير الدينار واعتماد نظام صرف مرن بإخضاع العملة الصعبة لقانون العرض والطلب وتشجيع التصدير، الحل الأمثل للخروج من حالة التهاوي التي يعرفها الدينار.
أرجع الخبير المالي، أمحمد حميدوش، عند نزوله ضيفا على «الشعب» سيطرة الاقتصاد غير الرسمي، حيث تقارب الكتلة النقدية خارج الجباية وخارج نظام التعامل في التجارة 80 ٪، إلى عجز التجار في الوقت الراهن عن إيجاد الرواج بسبب الأزمة الصحية الاستثنائية وتداعياتها على مختلف القطاعات، إلى جانب توقف المشاريع العمومية ما أدى، بحسبه الى أزمة سيولة أثرت على سرعة تداول النقود في الدورة الاقتصادية.

ثلاث مراحل لدمج السوق الموازية

اقترح الخبير المالي إعادة دمج هذه السوق في السوق الرسمية من خلال مراحل محددة، تتراوح مدتها بين ثلاث إلى أربع سنوات، مؤكدا ضرورة وجود برامج موازية للتجارة عند الانطلاق في مرحلة إدماج القطاع غير الرسمي أو الموازي في القطاع الرسمي، مقدما تجربة جنوب إفريقيا مثالا على ذلك.
في ذات السياق، قال إن المرحلة الأولى معنية بالإحصاء، فيجب إيجاد حل للأسواق الجوارية التي تنظمها البلدية من خلال إعطاء الفرصة لتجار السوق الموازية للحصول على مربعات ومقرات الكراء فيها، حتى يمارسون نشاطهم في أسواق يومية يخصص كل يوم لنوع معين من السلع، والمقصود هناك إدماج ما هو غير رسمي في إطار رسمي، ما يعني بطريقة غير مباشرة دفع التاجر غير الرسمي ضرائب التنظيف، رسم المكان والإقامة، بالإضافة إلى ضريبة رمزية، ما يسمح له امتلاك وثيقة تمنحه صفة التاجر.
قال أمحمد حميدوش، إن المرحلة الثانية هي مساهمة تجار السوق الموازية بطريقة نسبية في الضرائب فعندما يملك صفة التاجر ستكون له الأولوية فيما يتعلق بمقرات الكراء، أما المرحلة الثالثة تتعلق باستفادتهم من مساعدة، بحسب نشاط كل واحد منهم، ففي بعض المقرات يتكفل التاجر بكل المصاريف، أما المقرات الأخرى تكون فاتورة الكهرباء، والحراسة على عاتق البلدية، ما يسمح بعد ثلاث أو أربع سنوات بخروجه من الدائرة الموازية إلى الدائرة الرسمية ما يعني حصوله على سجل تجاري، ومساهمته في الضرائب.
 أوضح أن هذه العملية ستخرجه من كل ما هو جزافي أو شبه ضريبة، إلى ما يعرف بالضريبة الجزافية يحدد فيها القائمون على القطاع الناشط فيه، نسبة محددة من الأرباح يدفعها سنويا للخزينة العمومية، فمادام يتمتع بصفة المقاول سينحصر اهتمام المعنيين في الطريقة التي يدمج بها للمشاركة في الضرائب، لأنه الهدف الأول من العملية، ما يضمن عدم تهرّبه من الإدارة.

الفوترة والتنافسية لضبط السوق

شدّد حميدوش على أهمية الفوترة في هذه المرحلة حيث تباع كل السلع بفاتورة أي عمل مشترك بين إدارة الضرائب، إدارة الجمارك وإدارة التجارة، ما يساهم في كشف حركة السلع من سوق الجملة إلى سوق التجزئة، حيث يتركز عملهم في كل ما هو بيع بالجملة، بمعنى أن في هذه المرحلة سيسمح له بالبيع لتاجر رسمي.
 والكل يعلم أن من يبيع لديه رقم وتأشيرة ورخصة وفق ما يقتضيه الإطار التنظيمي، مؤكدا أن ممارسة نشاطه في إطار غير رسمي سيجعله يدفع ضرائب بنسبة 50 أو60 ٪ أو التعرض إلى الحجز.
أوضح الخبير المالي والأستاذ الجامعي أن الجزائر أمام برنامج إدماج السوق الموازية وليس خوض «حرب» ضدها، فالمشكل مع التاجر في هذه السوق هو الرسم على القيمة المضافة لتحقيق التحصيل الجبائي، لأن النظام الجبائي في الجزائر يستوجب فرضها على السلع، لذلك نتعامل في المرحلة الأولى مع سوق التجزئة من خلال برنامج الإدماج، ثم مع سوق الجملة بمرافقة مختلف الإدارات لتجارها.
أصرّ حميدوش على ضرورة حل إشكال التنافسية ما بين السوق الرسمية والموازية، فمن ينشط في السوق الموازية أحسن تنافسية من التاجر في السوق الرسمية لالتزام هذا الاخير بأعباء ضريبية، مقترحا في هذا الصدد تخصيص وقت للتجار غير الرسميين في السوق الرسمية بأوقات معينة لممارسة تجارتهم، خاصة وأن القانون التجاري يربط التاجر بوقت محدد، مفضلا في الوقت نفسه تحديد وقت للسوق الموازية خارج القطاع الرسمي، حيث يراه حلا لإعادة حركية المدينة ليلا.

تغيير أو تعويم العملة ليس الحل

رفض الخبير المالي أمحمد حميدوش، حصر حل تهاوي العملة الوطنية في تغيير العملة أو تعويم الدينار، فإذا كان التغيير فقط في الاسم أي ورقة عوض ورقة أخرى، يعني عدم تغيير شيء، مؤكدا عدم وجود سبب لتغييرها، لأنها ستكون مجرد مقابل ورقي لنفس القيمة، وقال إن المشكل الحقيقي غياب منافسة في الصادرات لعجز الجزائر عن فتح أسواقها.
أكد ضيف «الشعب» ضرورة تحرير الدينار الجزائري، لتجاوز أزمة انهياره التي أثرت على القدرة الشرائية للمواطن بشكل ملحوظ، والانتقال إلى مستوى آخر من التفكير، لأن الأزمة تعني فرص والفرص تعني تشغيل العقول للخروج من الوضع الصعب، ما نحتاج إليه اليوم، ما يعني في الأخير تغيير السلوك الاقتصادي للخروج من الأزمة.
في السياق ذاته، قال الخبير المالي إن نظام الصرف في الجزائر صلب، لذلك كان لابد من اعتماد نظام صرف مرن، ولا يقصد بالمرونة الدخول مباشرة في نظام جديد، لأنه سيتسبب في تهاوي قيمة الدينار، يجب أولا الاقتناع بضرورة خضوع العملة الصعبة لقانون العرض والطلب، وما عدا ذلك سيشكل تدخل الدولة في العملة الصعبة مشكلة، لأن سياسة التخويف أبقت على تدخل الإدارة البيروقراطي في سوق العملة الصعبة.
أشار حميدوش إلى وجوب إعادة النظر في سياسة الصرف عبر عدة مراحل، بالرغم من إمكانية حدوث مشكل في الاستيراد بسبب غلاء بعض السلع، لكن ستسمح هذه الخطوة في المقابل بفتح الباب أمام التصدير، فبالنظام الحالي تبقى الجزائر تتخوف من التصدير، فالفلاح المصدر مثلا ملزم بحسب قانون التصدير بإعادة القرض الى الخزينة في مدة أقصاها 90 يوما، بينما تحددها التجارة الدولية بـ 120 يوم، لذلك الجزائر ليست بحاجة الى تعويم أو تغيير العملة، لذلك اليوم هناك سؤال جوهري، هل نقبل ان يكون سعر العملة الصعبة مساويا لسعر السوق، أم نريدها ان تبقى دائما تحت تدخل السياسة النقدية للدولة التي تتحكم في توجه الدينار.؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024