الــــطــــفــــولــــة خــــلــــف الــــقــــضــــبــــــان..

قصة أحمد مناصرة ونضال من أجل العدالة

بقلم: بن معمر الحاج عيسى

 

في عالمٍ تُختَطَف فيه الطفولة خلف قضبان الاحتلال، تبرز قصة الأسير الفلسطيني أحمد مناصرة كشاهدٍ حي على منظومة قمعية منهجية تستهدف حتى البراءة ذات الثلاثة عشر ربيعاً. اعتُقل مناصرة في أكتوبر 2015 أثناء موجة انتفاضة السكاكين، حين أطلقت قوات الاحتلال النار عليه وعلى ابن عمه حسن (15 عاماً) في مستوطنة “بسغات زئيف” بالقدس المحتلة، ما أدى إلى استشهاد الأخير وإصابة أحمد بجروح خطيرة، قبل أن يُسحَبَ من تحت سيارة دهسته وهو ينزف، لتبدأ رحلة عذابٍ استمرت عقداً من الزمن.

من لحظة الاعتقال، انتهكت السلطات الصهيونية أبسط معايير العدالة. فخضع للتحقيق دون حضور محامٍ أو عائلة، بينما انتشر فيديو مسربٌ يظهره مرتعداً أمام محققين يصرخون ويهددون لانتزاع اعترافات، في مشهدٍ وصفته منظمات حقوقية بـ«التعذيب النفسي” الذي ينتهك اتفاقية حقوق الطفل.
رغم أن المحاكم الصهيونية نفسها خلصت لعدم مشاركته المباشرة في عملية الطعن، أدين عام 2016 بتهمة محاولة القتل وحُكم عليه بالسجن 12 عاماً (خُفضت لاحقاً إلى 9.5 سنوات)، مستخدمةً قانوناً لم يكن سارياً وقت الحادثة، في انتهاكٍ صارخ لمبدأ عدم رجعية القوانين.
لم تكن الأحكام الجائرة سوى البداية. تحولت زنزانته إلى جحيمٍ يومي: عزلٌ انفرادي متواصل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وحرمانٌ من الزيارات العائلية، وحرمانٌ من العلاج الطبي الملائم رغم تشخيصه بمرض الفصام والاكتئاب الحاد المصحوب بأفكار انتحارية. تقارير طبية مستقلة أكدت أن تدهور صحته النفسية نتج مباشرة عن ظروف الاحتجاز، حيث أُجبر على قضاء 23 ساعة يومياً في زنزانة ضيقة، مما دفع محاميه لوصفه بـ«الإنسان بلا روح” الذي يسأل عن حكم الشرع في الانتحار.
 القضية لم تكن معزولة، بل جزءاً من نمطٍ صهيوني ممنهج. فبحسب منظمة العفو الدولية، يعتقل الاحتلال سنوياً مئات الأطفال الفلسطينيين، 75% منهم يتعرضون للعنف الجسدي خلال الاعتقال، بينما يُحرم 60% من التواصل القانوني مع عائلاتهم.
أما في حالة مناصرة، فقد تجاوز الأمر الاعتقال إلى “إعدام طفولته” – كما وصفها خبراء أمميون – عبر تطبيق قانون مكافحة الإرهاب (2016) بأثر رجعي، رغم أن عمره لم يكن يسمح بتحمله المسؤولية الجنائية عند وقوع الحادثة.
لكن المعاناة الفردية تحولت إلى رمزٍ عالمي. حملات التضامن تحت وسم #الحرية_لأحمد_مناصرة جمعت 150 ألف توقيع، بينما ناشدت منظمات مثل العفو الدولية والأمم المتحدة مراراً للإفراج عنه، مشيرةً إلى أن استمرار احتجازه يشكل “وصمة عار على المجتمع الدولي”.
 حتى المحاكم الصهيونية اضطرت مرتين لإعادة النظر في رفضها للإفراج المبكر، بعد ضغطٍ قانوني ودولي، لكنها ظلت ترفض تحت ذريعة تصنيف القضية كـ«إرهابية”، في تعسفٍ يكرس التمييز ضد الفلسطينيين.
اليوم، مع اقتراب انتهاء محكوميته، تبقى الأسئلة معلقة: كيف سيعيد هذا الشاب – الذي دخل السجن طفلاً يلعب وخرج شاباً تكسرت أحلامه – بناء حياته؟ وكيف سيواجه المجتمع الدولي منظومة اعتقالٍ تستخدم القضاء كأداة قمعٍ بدل أن تكون رمزاً للعدالة؟ قصة مناصرة ليست مجرد سردية فردية، بل مرآة تعكس واقع 170 طفلاً فلسطينياً لا يزالون خلف القضبان، و4500 أسيرٍ يدفعون ثمن مقاومة احتلالٍ يجعل من الاعتقال سياسةً، ومن الطفولة جريمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19754

العدد 19754

الثلاثاء 22 أفريل 2025
العدد 19753

العدد 19753

الإثنين 21 أفريل 2025
العدد 19752

العدد 19752

السبت 19 أفريل 2025
العدد 19751

العدد 19751

الجمعة 18 أفريل 2025