الحفاظ على الرّوابط الأسرية أولوية
تعديلات كثيرة أدخلها المشرّع الجزائري على القانون الجزائي بغية حماية المرأة من مختلف أشكال العنف الممارس ضدها، كان آخرها وضع عقوبات تصل إلى السجن ضد كل أنواع التحرش سواء كان لفظيا أو جنسيا، خاصة في الأماكن العامة أو العمل، لكن اصطدمت هذه القوانين بمشكلة حقيقية هي إثبات الواقعة نظرا لخصوصية المجتمع الجزائري.
قالت الحقوقية كوثر كريكو إنه لا بد من دراسة مدى تطبيق قانون ما في المجتمع قبل سنّه لتفادي الوقوع في مشكلة أخرى، فمثلا القوانين الخاصة بالتحرش الجنسي والأماكن العامة والعمل تم وضعها في آخر تعديل لتوفير محيط يحفظ كرامة المرأة في الأماكن التي تتواجد فيها، لكن مشكلة تطبيقه أو لنقل غياب وسائل الإثبات بسب صعوبتها خاصة إذا كانت المرأة لا تعرف المتحرّش، أما إن كانت تعرفه تتحرّج من إخراج الحادثة إلى العلن، ففي كل مرة تجد نفسها في مواجهة المتحرش وحدها لأن الشهود غالبا ما يرفضون الإدلاء بشهادتهم في الواقعة. لذلك كان من الأجدر تعديل القانون بطريقة لا تجعله غير قابل للتطبيق، خاصة فيما يتعلق بالتحرش اللفظي.
أما عن العنف العائلي الذي أثبتت الدراسات أنّه أهم عنف تتعرض له المرأة، قالت كوثر كريكو إن الحل في إعطاء قاضي الشؤون الأسرية أو الأحداث صلاحيات أكبر لحل المشاكل الأسرية بالوساطة للحفاظ على الأسرة لأن أغلب قضايا التعنيف التي يفصل فيها لصالح الزوجة تنتهي بالطلاق، ما يفك الرابطة الأسرية ويؤثّر سلبا على الأبناء الذين يجدون أنفسهم وسيلة ابتزاز ومساومة بين الطليقين، اللذين يتناسيان تماما أولوية مصلحة الأبناء في إعطائهم مشاعر إيجابية تمكّنهم من البقاء في وسط سليم وإن كانا منفصلين، فالواقع أثبت أن معظم هؤلاء الأطفال الذين عاشوا في أسر مفكّكة أصبحوا أحداث في سن صغيرة.
لم تنفي الحقوقية كوثر كريكو التطور الحاصل على مستوى ترسانة القوانين التي تُعنى بالمرأة، والتي جعلت من الجزائر رائدة في مجال حماية حقوق المرأة، خاصة فيما يتعلق بتكريس مبدأ المساواة مع الرجل في كل المجالات، لكن تبقى مشكلة حمايتها من العنف خاصة في حالة إثبات الواقعة، ولاحظت في ذات السياق وجوب الأخذ بعين الاعتبار ضرورة الإبقاء على الروابط الأسرية من أجل بناء مجتمع سوي، مستطردة أنه لا يعني ذلك أن ترضخ المرأة وتقبل تعنيفها أو قبول إذلالها وإهانتها من طرف الزوج، فالتعنيف المتكرّر يستدعي رفع قضية، وغالبا ما تجد المرأة نفسها مضطرة على التنازل عن الشكوى التي حرّرتها الضبطية حفاظا على الأسرة أو لنقل بسبب حاجز الأعراف والتقاليد.
لذلك كان من الضّروري إعطاء الوقاية الأولوية لتكون الخطوة التي تسبق تطبيق العقوبات والقانون حتى نحافظ على الأسرة، ولا يتأتّى ذلك ـ حسب كوثر كريكو ـ إلا بإعطاء قاضي شؤون الأسرة صلاحيات أكبر حتى يتمكّن من الوساطة بين الزوجين، فعندما تكون بين يديه 100 ملف في اليوم لن يستطيع منح جلسات الصلح الوقت الكافي للتوفيق بينهما، معتبرة الوساطة والنيابة أفضل طريقة لحل المشاكل الأسرية قبل إخراجها إلى العلن باتخاذ ردع جزائي، وكذا للمحافظة على الروابط الأسرية، وبالتالي المجتمع بصفة عامة.