على غير العادة لم تكن المرأة محور اهتمام مختلف البرامج الانتخابية التي وضعها المرشّحون الخمسة للرئاسيات القادمة، بعدما كانت من قبل الورقة الرابحة أو الكتلة الانتخابية التي يمكنها أن تقلب الطاولة في أي وقت.
ربما الأحداث التي تعرفها الجزائر منذ 22 فيفري الماضي أعاد ترتيب الأولويات، حيث أعطت البرامج السياسية الأولوية للحلول السياسية، وبين أن تكون الطُعم أو السمكة التي يراد اصطيادها، تحوّلت المرأة إلى مجرد رقم في اللعبة السياسية.
عندما أهينت تلك المرأة في بومرداس بسبب موقفها السياسي أو لنقل مرشّحها لرئاسة الجمهورية أصبحت «وسيلة» ثمينة لتمرير رسائل من تحت الطاولة، فكرّمت هنا وهناك فقط لإظهار جانب كان من المفترض أن يكون من خلال البرامج الانتخابية بوضع نقاط واضحة تهتم بالمرأة دون اللجوء إلى استعمال وسائل رخيصة في «الفعالية» السياسية.
عندما تُختار «امرأة» من بين الجموع لتكون الفريسة السهلة بين مخالب الطرف الآخر، الذي يحاول بكل ما أوتي من قوة إقصاء الرأي المخالف فقط ليكون اللاعب الوحيد في الساحة السياسية، فهذا يعني أن النظرة التي حملها المجتمع عن المرأة منذ قرون طويلة ما تزال قابعة في دهاليزه المظلمة، تخرج إلى العلن بمجرد استفزاز الرجل داخله ليخرج تلك المفاهيم المغلوطة عن المرأة.
وكما استعمل الرجل في سنوات التسعينيات «الوكالة» باسم الدين للاستيلاء على صوت المرأة الانتخابي، يسرق منها اليوم صوتها ودورها الاجتماعي بمسميات مختلفة تنوّعت أسماؤها متراوحة بين تحرر وأصالة، علمانية ووطنية، لكنها تلتقي في نقطة واحدة هي محاولة احتواء المرأة الواعية الباحثة عن دور فاعل وفعّال داخل مجتمع لم يستطع إنقاذ نفسه من تقاليد وأعراف بالية لا تعترف لا بالشريعة الإلهية ولا تشريعات وضعية.
تكلّم جون جاك روسو عن الضمير الجمعي في فلسفته الاجتماعية ليفسّر تطور المجتمعات، ونحن اليوم نتحدّث عن ذاكرة «جمعية» تُعرف المرأة بأنها «ملحق» بشري للرجل، موجودة «به» و»من أجله»، عاجزة عن إثبات ذاتها إلا في أطر محدودة لا تتعدى وظائف «غريزية»، وحتى إن هي تحررت ستكون مجرّد لعبة في يد «رجل» يُفهمها «قصرا» أنّها مجرد جسد كلّما أنقصت من «ردائه الساتر» ستثبت قوتها وأنوثتها وكينونتها كامرأة!!؟
والغريب أنه في الجهة المقابلة نفس «الرجل» يُقنعها أنّها كلما أطالت من ذاك «الرّداء الساتر»، ستكون امرأة قوية تقف بثبات أمام محاولات «إخراجها» من «معالم هويّتها الفاصلة».
المضحك في الأمر أنّ الإحصائيات أثبتت أن المرأة سواء كانت في صورة «باربي» الفاتنة أو «فلة» الساحرة لم تتخلص من جرأة الرجل في رفع يده عليها لأسباب تافهة قد تكون مجرد سهو أو مرض أو حتى مولود عجزت عن تحويل « x x» إلى «xy «وهو بالضبط ما يلخص تلك النظرة القاصرة للمرأة في كونها مجرد وعاء سواء حمل «صُلب الرجل» أو ورقة انتخاب أو مسؤولية أجيال كاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الاستثناءات التاريخية التي صنعتها نساء من طينة خاصة جدا.