رفضت كل مغريات الإدارة الاستعمارية من أجل تحرير الجزائر
يروي المجاهد الحاج فارس موالله بن مسعود من مواليد 1 فيفري 1932 بمرسط بولاية تبسة معطوب حرب التحرير، في حديث لجريدة “الشعب” تفاصيل عن كيفية اتصاله بمناضلي جبهة التحرير الوطني، والتعاون معهم من أجل تحرير الوطن عبر توعية الشعب بعدالة القضية الجزائرية، وضرورة الانعتاق من الظلم والقمع، تاركا وراءه كل مغريات الإدارة الاستعمارية بحكم أنه كان في الجيش الفرنسي.
قال عمي ابن مسعود: “انضممت إلى القوات الفرنسية سنة 1951 عندما كنت في ألمانيا، أصبت بداء ذات الجنب فعدت إلى الجزائر بعد سنة أي في عام 1952، وبقيت في ثكنة الاستراحة “س.ر101 “ أين تعرفت على جماعة من الشباب العائدين من جبهات القتال بالهند الصينية”.
أشار المجاهد أنه، حين كان يتجول بالعاصمة رفقة هؤلاء الشباب إلتقوا صدفة بأعضاء حزب الشعب الجزائري الذين كانوا يخططون للقيام بالثورة، واقترحوا عليهم دعمهم ببيع كتيبات اشتراك بأوراق خضراء بأربعة دورو، بحيث كان رفقة رجلين أحدهما من عزابة اسمه هبوب أو مهيوب علي، والأخر من وهران اسمه محمد، وكان قد شارك في حرب الهند الصينية لاندوشين كما تسمى وآخر من تيارت اسمه عابد محمد ورفقاء آخرون من مختلف مناطق الوطن.
في سنة 1953 تم تسريح ابن مسعود من الجيش الفرنسي، بسبب مرضه بنسبة عجز 30 ٪ وذلك مؤقتا لمدة ثلاث سنوات، بحيث كانت بحوزته وثائق تحضير وتوجيهات وتوصيات كيفية التعامل مع الشعب، من أجل توعيتهم وتحفيزهم وتهيئة الأجواء لإندلاع الثورة، هذه الوثائق سلمها عمي مسعود إلى المدعو عثمان صوان وسي يحيي بوهراوة وسي محمد مناصرية، بحيث بقي يناضل معهم بمرسط يقومون بتحضير الشعب ونشر الوعي الثوري بين الناس إلى غاية سنة 1955. في هذه السنة وبعد اندلاع الثورة قررت فرنسا، أن تلعب لعبة خبيثة – قال ضيف الشعب- عن طريق محاولة إعادة تجنيد العسكريين السابقين بواسطة الإغراء بغرض كسر الثوار والقضاء على الثورة في مهدها.
وواصل عمي بن مسعود حديثه، أنه في مارس 1955 أمر حاكم تبسة الفرنسي نائبه الضابط المسمى خليفة الحاكم والقايد الطاهر ، بالتجول في الأسواق الأسبوعية والبحث عن أي شخص كان عسكري سابق عند فرنسا وتقديمه له، حيث قام بهذه المهمة كل من الدايرة محمود ملاح وكبير الدوار علي بن ربيع غلوسي والشنبيط المكي، وكان فارس موالله أحد هؤلاء العسكريين، حيث استقبل من طرف الحاكم استقبالا حسنا ودار بينهما حوار، حيث أثنى الحاكم على عمي بن مسعود واصفا إياه بالرجل الطيب والنشيط والحبوب وسط الناس، قائلا: “نحن اليوم غير مرتاحين في تبسة بسبب السارقين(يقصد المجاهدين – على حد قوله- الذين صعدوا الجبال ونحتاج أمثالك لمحاربتهم، وحماية فرنسا”.
فرفض المجاهد متعللا بحالته الصحية، لكنهم ظلوا يحاولون معه طيلة أربعة أسابيع، لكنه رفض رفضا قاطعا، بعدها تلقى استدعاء من عند حاكم تبسة فذهب لمقابلته بمكتبه، حيث كان رفقة كاتبه المدعو سي عمار، واستقبله جيدا وصافحه مخاطبا إياه وهم واقفين عند باب المكتب : “ أنت فارس موالله أعطيني دفترك العسكري ففتحته وقال لي لقد خرجت برتبة عريف”، فنظر في وجهه وسأله لماذا يلبس السترة السوداء المطرزة بخيط من الصوف الأبيض، وسأله إن كان يملك عملا فرد المجاهد، قائلا: “هذا ما أعطتني فرنسا، فمن أراد العمل لمدة شهر عليه دفع 1000 فرنك رشوة، ومن أراد العمل لأسبوعين فعليه دفع 500 فرنك”.
فكان رد حاكم تبسة: “كيف تتكلم هكذا والقايد يحبك وقد ذكرك بسيرة حسنة وهو من اختارك من بقية الشعب”، ثم ضربه على كتفه وقال له: “ابني أنا ليس عندي أولاد وأنت بمثابة ولدي سأعطيك 300 ألف فرنك في الشهر، وفيلا وحديقة وسيارة وأعطيك رتبة عريف أول مع أمر بخط يدي حتى، لا تذهب للقتال في الجبال، وبعد ستة أشهر ستصبح نقيب”.
فطلب عمي مسعود من الحاكم أن يعطيه مدة للتفكير، لكن الحاكم حاول إقناعه بعدم رفض العرض لأنه جيد، وبحجة أنه يحبه ويحترمه وقد اختاره في تنصيب فرقة قومان، مثلما فعلت فرنسا في الحرب العالمية الأولى، وفي كل يضربه على كتفه ويقول له هذا مستقبلك، وبقي عمي مسعود مصرا على رأيه وطلب الإذن بالحديث قائلا للحاكم: “ لو تمنحني مليون فرنك في الشهر، لا أضع القبعة على رأسي”.
بحسب شهادة المجاهد فإن الحاكم الفرنسي نزع القبعة من رأسه وضرب بها فخذه ثم رفع يده وقال: “يا إلاهي إن الوزير الأول روبر لاكوست حاكم الجزائر، يتقاضى مليون فرنك في الشهر”، ثم استدار إلى الحائط وظل يفكر لحوالي خمس دقائق ووضع القبعة على رأسه، واقترب من عمي بن مسعود وحياه تحية جندي لسيده ومد يده إليه ليصافحه ثم رفع يده إلى السماء وقال:
« ابني أنت جزائري حقيقي ولو كان يوجد عشر رجال أمثالك أقسم أنني لن أبقى في تبسة 24 ساعة، يمكنك الذهاب”.
عاد المجاهد إلى مسقط رأسه بمرسط، و أخذ زوجته من منزل خاله صالح، حيث كان يسكن وتوجه إلى بوخضرة عند أخيه سي العربي المدعو العربي كبيس، هناك اختبأ لمدة ثلاثة أشهر، وذات يوم التقى غلوسي دهماني، هذا الأخير سأله عن غيابه، لأن البرجي البراح في كل سوق ينادي من رأى منكم مو الله فليخبره أن حاكم تبسة قد أعطاه منصبا في البلدية يأخذ راتب دون عمل، لكن لما أشيع انه صعد إلى الجبال أعطى المنصب لشخص يدعى غنيم ابن علي بن عمر.
فرد بن مسعود: “يا سي الدهماني لقد رفضت عرض الحاكم المغري من أجل تحرير الجزائر”، موضحا له أن قطاع الطرق الذين تحدث عنهم هم إخواننا ومجاهدون في الجبال، يقاتلون فرنسا من أجل تحرير الجزائر، ثم دعاه للانضمام إلى صف الثوار، وبالفعل ابتداء من سنة 1955 إلتحق رفقة سي رابح غلوسي بالنضال.
كنت على اتصال سري بالمجاهدين
بعدها بقي المجاهد في بوخضرة، يصنع الفطائر والخبز مع زوجته في البيت في مقهى الربيعي، كما كان يبيع الشواء في النهار لعمال المنجم وكان على اتصال سري بالمجاهدين، وبعد تجنيد المدعو بوطرفيف علي الذي سمي علي بوخضرة و عين مسؤولا عن الجهة بسبب معرفته الواسعة بسكان وجغرافيا المنطقة، والذي صادف أنه كان يمتلك محلا تجاريا فارغا ببوخضرة، واستأجره ليعمل فيه وكان يعوضه شقيقه المدعو العربي كبيس، بحيث كان يركب الدراجة حاملا الحبل الذي يربط به الذبائح وسجل المحل التجاري للتمويه، لأنه كان يذهب للقاء المجاهدين ويدربهم على استعمال السلاح.
في هذا الصدد، قال عمي بن مسعود أنه عند بدء إضراب الثمانية أيام والذي كان الهدف منه اظهار رغبة الشعب في الاستقلال عن فرنسا، جاءته معلومات أن الإضراب نجح فألقي عليه القبض، قائلا:« لما جاء سي إبراهيم بكاي لأخذ المعلومات عن الإضراب استعرت دابة كان يركبها، وحملت عليها زوجتي ونجمة بنت العيد التي كانت مقيمة عندي وهربت من بوخضرة في ليلة مقمرة”.
لكن العدو اكتشف أمري –أضاف يقول- ، ولاحقته الشاحنات والدبابات لكن بفضل الله تمكن من النجاة وسلكت أحد الطرق الجبلية الوعرة عبر منطقة الطايقة ثم وصل إلى منطقة المقطوعة، أين يقيم عمه و في الصباح قام العدو بكسر باب الدكان وتخريب محله وإتلاف البضائع التي كانت تقدر بحوالي 1600.00 فرنك، وهنا يقول المجاهد بن مسعود أنه رفض كل الإغراءات التي قدمتها له الإدارة الاستعمارية التي حاولت استمالته إلى صفها لمحاربة المجاهدين، وناضل من أجل تحرير الوطن.