صدرت الدراسة الأكاديمية لنيل شهادة الماستر بجامعة تلمسان، حول «خط موريس بالغرب الجزائري» للباحث والصحافي محمد بن ترار في شكل كتاب قيم يعد مرجعا بالنسبة للطلبة الدارسين في أقسام التاريخ، وغيرهم كونه غاص في أعماق موضوع لطالما أثار تعطش الجزائريين في معرفة خباياه.
انطلاقا من تركيزه على «أثر وطرق اختراق خط موريس»، مصحوب بشهادات حية للرعيل الأول من المجاهدين الذين عاشوا وعايشوا الحدث عن قرب، مدعوم بكتابات المؤرخين قصد تنوير الرأي العام بالآثار الخطيرة التي خلّفها، ما تزال الى غاية يومنا هذا بادية على أجساد الذين قرروا المرور عبرها مهما كلّف ذلك من تضحيات والقوائم طويلة بالنسبة لكل من استشهد أمام هذا الحاجز الكهربائي الجهنمي.
وقد أحسن الباحث بن ترار عندما حوله إلى كتاب ونزع عنه صفة العمل الجامعي حتى تعادله قيمته العلمية ولا يلقى او يوضع في المصنفات أو رفوف المكتبات الجامعية كبحث فقط يلفه الغبار مع مرور الوقت ويدخل غياهب النسيان مثلما هو حاصل مع العديد ممن خاضوا مجال «البحث».
الكتاب جاء في 150 صفحة لم يتبع منهجية الفصول في الفهرس وإنما عناوين رئيسة بالبنط الأسود تحت المقدمة مباشرة، وكان بالإمكان هنا وضع المدخل والإهداء كذلك وهو معمول به في إصدار الكتب لكن الصفحتين 5 و6 خاليتان من الطباعة.
وبعد أن أبرز الباحث الخلفيات العلمية التي أدت إلى اختياره لهذا الموضوع منها تقنين للثورة عقب مؤتمر الصومام وخروجها قوية أكثر من أي وقت مضى في جانبها التنظيمي شعرت فرنسا بذلك وأخذت بالبحث عن طريقة لتوقيف هذا الزحف الناجح من خلال العودة الى ما يعرف بـ الخطوط الدفاعية الاستراتيجية عبر التاريخ». كـ«الليمس» «سور الصين العظيم»، «ماجينو»، «سحقريد»، «مارث»، «آلون»، «الألب»، «برلين» و»برليف» وبناء على ذلك خصص بن ترار ٩ محاور كاملة بعنوان «خط موريس بالغرب الجزائري، أثره، وطرق اختراقه وتبعا لذلك أعطى الباحث صورة مفصلة عن هذا المشروع القاتل المنسوب إلى وزير الدفاع الفرنسي في حكومة بورجيس، أندري موريس، وفق القرار الوزاري رقم ٣٩٦٩ الصادر بتاريخ ٢٨ جوان ١٩٥٧ يمتد من مرسى بن مهيدي شمالا إلى قصور بشار جنوبا، عبارة عن أسلاك شائكة مكهربة أنجز على ٣ مراحل (٥٦ - ٥٨) (٥٨ - ٦١) (٦١ - ٦٢)، يحتوي على ٨ تحصينات، حقل ألغام بـ٦ أمتار مضادة للأفراد، من نوع (51 Apid ـ مجبرية) وأخرى مضادة للمجموعات ومضيئة، فخلال فترة قصيرة جدا من ٢١ نوفمبر ١٩٥٧ و٢٠ مار س ١٩٥٨، زرع الجيش الفرنسي أكثر من ٤ ملايين لغم مضاد للأفراد وأكثر من مليوني لغم مضيء وخصص ٨٠ ألف عسكري لحراسته و٣٥٠ ألف متر من الأسلاك الشائكة على ١٣٠ ألف عمود.
وبالرغم من هذا التعزيزات فإن جبهة التحرير الوطني لم تقف مكتوفة الأيدي بل بادرت بإيجاد الحل لاختراقه عبر ٦ مراحل، بالإضافة إلى إنشاء مديرية عامة للتدريب مركزها ببركان وهكذا تمّ تكوين مابين ٢٥٠ و٣٠٠ مختص في الألغام والأسلاك الشائكة.
واستعان صاحب الكاتب بشهادات حية ومؤثرة عن كيفية عبور خط موريس بدأت بتحاشي المناطق الملغمة، والحفر تحت الأسلاك الشائكة والمكهربة ورفعها بالأخشاب والتخريب والقص بآلات يدوية ألمانية والتيار المستمر وهو عبارة عن كابل كهربائي عازل مغلف بمادة بلاستيكية وأنجع طريقة هي ما يعرف بالتابوت أو الصاروخ الخشبي الذي طرحه المجاهد حمايدية الطاهر المعروف بالنقيب سي زوبير وهناك مايعرف بـ»البانقلور» وهو أنبوب متفجر يوضع تحت الأسلاك.
كما تطرّق الباحث محمد بن ترار إلى أثر خط موريس ما بعد الثورة في ٦ محاور وما خلفه من ضحايا، بالإضافة إلى إبراز المجهودات الجبارة للجيش الوطني الشعبي في إزالة هذه الألغام في الجهة الغربية والاحتفال بهذا الحدث، بعد ربح هذه المعركة بكل جدارة واستحقاق دون الاعتماد على خرائط الاستعمارية التي تجاوزها الزمن بفعل العوامل المناخية التي غيرت من مواقع الألغام.
ويجدر بنا هنا الإشادة والتنويه بهذا العمل الأكاديمي الذي أنجزه محمد بن ترار معتمدا على الجانب النظري في طرح الموضوع عززه بالتطبيقي: الشهادات، الأرقام، الصور، والقصاصات، ليحمل بتلك الطابع التوثيقي كذلك.