عبد الرحمان فارس سيّر مرحلة حرجة من تاريخ الجزائر ولم ينصفه الإعلام
ارتكزت مداخلة مداح محمد، دكتوراه سنة أولى تاريخ، خلال ندوة تاريخية نظّمتها جامعة عبد الرحمن بن خلدون بتيارت بالتنسيق مع مديرية المجاهدين بمناسبة عيد النصر المصادف لـ 19 مارس من كل سنة، بعنوان «الدبلوماسية الجزائرية إبان الثورة التحريرية»، للحديث عن رجل قال عنه إنه لم يسلّط عليه الضوء من طرف الإعلام رغم مكانته وبصمته، ودوره كمسيّر للحقبة الانتقالية قبل وقف إطلاق النار، وهو عبد الرحمان فارس،رئيس الهيئة التنفيذية من أجل تسيير المرحلة الانتقالية، حيث قام بتسيير المرحلة بسبب تكوينه السياسي ولغته وثقافته الفرنسية الممتازة. وقال المحاضر إنّ عبد الرحمان فارس استطاع تسيير مرحلة جد حرجة في تاريخ الجزائر من 19 مارس 1962 إلى 1 جويلية 1962، وقد قبله الفرنسيون في ترأس الهيئة، واستطاع تذليل الكثير من العقبات.
وكانت المرحلة تقوم فيها المنظمة الخاصة الفرنسية بأفعال تريد من خلالها إفشال مسعى الاستفتاء، عبد الرحمان فارس استطاع إقناع الكثير من العسكريين الانضمام إلى مبادرة الاستفتاء وتقرير المصير. وحسب الأستاذ مداح فإنّه تمّ إقناع الكولونيل سي شريف الذي كان يقود 850 عسكريا وعبد الله سالمي بـ 800 عسكري، وحقن دماء جزائريين كانت غالية.
عبد الرحمان فارس حسب المحاضر مداح، دفع ثمن شجاعته وتحمّله المسؤولية في فترة حرجة من تاريخ الجزائر، فرغم تحمّله مسؤولية من سنة 1963 إلى سنة 1964 إلا أنّه تمّ القبض عليه ووضع تحت الإقامة الجبرية بسبب بعض التنازلات وأضاف المحاضر أنّ الصراعات السياسية التي أعقبت مرحلة الاستقلال كان لها الأثر الايجابي على تسيير البلاد، حيث لم تصل إلى صراعات عقائدية ثورية أو صراعات عسكرية كبيرة.
الجيل الثّالث مطالب بقراءة تاريخ بلاده والافتخار بدبلوماسيتها
أما الجيل الثالث بالنسبة للثورة أو الثاني بالنسبة للاستقلال يمثله طلبة الجامعات، صادفنا بجامعة ابن خلدون طلاب، واخترنا الطالبة بصايدة هجيرة سارة طالبة بقسم الإعلام والاتصال، وقد أعجبت بقادة اتفاقيات ايفيان الذين استطاعوا بحنكتهم تطويع الوفد الفرنسي، رغم قوته العسكرية ومكانته الدولية في الأمم المتحدة من بين الدبلوماسيين الذين تتابعهم هاجر سارة مصطفى الاشرف ومحمد خيضر واحمد بن بلة ومحمد بوضياف ، ورأت الطالبة أنه يجب على الجيل الحالي قراءة تاريخ الجزائر الدبلوماسي الذي يعتبر مرجعا للأمم المتحررة حديثا، وهو جزء من الحرب الباردة، والوقوف عنده بمثابة تدوين لحقبة مهمة في تاريخ العالم الحديث.
من جهته أوضح رئيس الجلسة بجامعة تيارت الدكتور بوحمو امحمد، أن تسيير اتفاقيات ايفيان في خضم صراع عسكري سياسي ليس بالسهل، وتحمل المسؤولية آنذاك كان انتحارا لكن عبد الرحمان فارس كان فارسا فعلا واستطاع تحمّل المسؤولية، وكان تلاميذ فرنسا في المدارس يلقنون على أنه جزء من فرنسا ويفصلهما البحر فقط مثلها مثل أي إمارة فرنسية، وأن الجزائريين ينعمون بالاستقلال بسبب رجال ذوي حنكة ودبلوماسية.
أما الدكتور بليل محمد المنسق العام للندوة ورئيس المجلس العلمي لكلية العلوم الاجتماعية، قال عن الدبلوماسي عبد الرحمان فارس، إن سبب تحمّله المسؤولية هو اتفاق قادة جيش التحرير الوطني والحكومة المؤقتة، وعبد الرحمان فارس قيل إنه انضم إلى فكرة الاندماج الثقافي الفرنسي وأيّد فكرة فرحات عباس، وحسبه فإن الرجل حسناته أكثر من زلاته، لأنه وطني ألقي عليه القبض من طرف القوات الفرنسية، وقد وقع عليه الاختيار لتسيير مرحلة مهمة ليس بالصدفة، لكن ثقافة الرجل ونضاله ومعرفته بالمرحلة جميعها كانت وراء تعيينه لتسيير مرحلة مهمة. والمرحلة كانت تعج بالأحداث المؤلمة، فمنظمة الجيش العسكري الإرهابية كانت تقتل وتنكل للفت الرأي العالمي عن الاستقلال، مضيفا أن تسيير مرحلة على طاولتها السيادة، والاقتصاد ووحدة الوطن، والثروات المعدنية وموانئ كبيرة ليس بالأمر السهل، ورغم ذلك فإن الدبلوماسية الجزائرية قادت المرحلة بسلاسة بعيدة عن الصراعات الداخلية ممّا سهّل المرور إلى الاستفتاء والاستقلال.