معتقل قصر الطير بسطيف أنشئ لمعاقبة السكان المؤيدين للثورة

لا تحكمه قوانين ولا يخضع العاملون به إلى مساءلة قضائية

سهام بوعموشة

 أنشأ الاحتلال الفرنسي منذ دخوله إلى الجزائر المعتقلات، وكان ذلك سنة ١٨٤٠ حين اتبع الجنرال ''بوجو'' سياسة الأرض المحروقة مع المقاومة الوطنية، بحيث قام بحشد المؤيدين للمقاومة من قبائل واعراش في محتشدات ومعتقلات رهيبة، يمنعهم فيها حتى من حق الترحال والرعي وزراعة أراضيهم، ويحمل أعيانهم إلى المنافي النائية خارج أرض الوطن كمنطقة كاليدونيا بكيان بالمحيط الهادي، حسب ما أكّده العقيد المتقاعد عمار مشري.
وأوضح العقيد في هذا الإطار، أنّ الفصل الثاني من المعتقلات بدأ مع اندلاع ثورة نوفمبر ٥٤ عندما جعلت الإدارة الاستعمارية من أرض الجزائر منظومة واسعة من السجون، المحتشدات، المعتقلات، مكاتب ضباط الشؤون الأهلية (لصاص)، الثكنات العسكرية، ومراكز التعذيب بفيلا سيزوني بالجزائر، ومزرعة امزيان بقسنطينة وغيرهما.
وأضاف أنّ هذه الأنماط من المعتقلات لا تحكمها أية قوانين أو لوائح أو تشريعات، والعاملون بها لا يخضعون لأية رقابة قضائية أو مساءلة قانونية، بحيث تمارس فيها أبشع جرائم التعذيب وتنتهك فيها كرامة الإنسان وحقوقه، ويصبح فيها الموت أمنية عزيزة المنال لأولئك الضحايا الذين تضمهم بين جدرانها.
واستشهد عمار مشري في قوله على ما قاله الجنرال السفاح ''أساريس'' عندما سأله الجنرال ''ماسو'' في مذكراته: ''ماذا سنفعل بالعربي بن المهيدي؟''، فردّ ''أساريس'': ''أنا لا أدري لماذا يكون بن المهيدي أفضل من الآخرين، لقد قتلنا كثيرا من الشياطين البؤساء الذين ينفّذون أوامر مثل هذا الرجل، وها نحن نتلكأ منذ قرابة ثلاثة أسابيع من أجل معرفة ما الذي سنفعله فقط؟!''.
وفي هذا السياق دائما، أبرز العقيد أنّ هدف فرنسا من وراء تلك المنظومة هو أن تصبح هذه السجون والمعتقلات وغيرها موضع رعب مميت لكل من يفكر في الالتحاق بجيش التحرير الوطني، أو بإبداء التأييد لجبهة التحرير الوطني. كما استعرض المتحدث مجموعة من المعتقلات منها معتقل الشلال الذي فتح في ماي ١٩٥٥ والجرف في أوت من نفس السنة بولاية المسيلة، ومعتقل بوسوي (الضاية) الذي فتح في ١٦ أوت ١٩٥٥ جنوب بولاية سيدي بلعباس، ومعتقل آفلو في ولاية الأغواط، ومعتقلي اركول وسيدي الشحمي بوهران، ومعتقل قصر الطير قرب عين ولمان بولاية سطيف الذي فتح سنة ١٩٥٦، وغيرها من المعتقلات.
أما السجون فكانت كثيرة في الجزائر وفرنسا التي كان ينقل إليها الجزائريون ومجاهدي فيدرالية جبهة التحرير الوطني، حيث كانت الحياة فيها جحيم لا يطاق من خلال عمليات التعذيبين النفسي والجسدي الممارس الذي لا يمكن لأحد تصوره. ولعل سجن لامبيز بباتنة والكدية في قسنطينة وسيدي الهواري بوهران وسركاجي والحراش بالعاصمة وغيرهم أكثر شهرة، حسب ما قاله عمار مشري.
وقد قدّم المتحدث نموذجا من معتقلات التعذيب وهو معتقل قصر الطير بسطيف، الذي هو عبارة عن بيت كبير يبلغ ارتفاعه سبعة أمتار وكانت الطيور الجارحة تأوي إليه، حيث يقع على أرضية منبسطة موجودة على بعد ١٠ كلم من الجبال المجاورة لمنطقة استيراتيجية يصعب الهجوم عليها، وكذا الفرار منها لأنها تقع في منطقة معزلة.
لقد أنشئ هذا المعتقل في البداية كمعتقل للمدنيين نظرا لكبر حجمه، ثم حوّل إلى معتقل للمجاهدين والمسبلين والفدائيين في ماي ١٩٥٨، كون سكان المنطقة والقرى والاعراش  المجاورة انضموا الى ثورة التحرير الوطني.، حيث يحتوي المعتقل الذي هو عبارة عن مجمعات سكنية على عدة أقسام من الألف إلى الياء، وكل حرف يرمز إلى صنف من أصناف السجناء، وهي عبارة عن عدة بيوت منفصلة عن بعضها ومفروشة بالاسمنت، وسطحها مغطى بالزنك ليعكس الحرارة صيفا وقسوة البرد شتاءا، ولا توجد بها نوافذ بها أربعة أسرة خشبية فوق كل واحدة حصير من السمار، ويسلم كل معتقل بطانية واحدة.
كما يحتوي المعتقل على مكاتب التعذيب والاستنطاق، ساحة الأشغال الشاقة، ساحة لتكسير الحجارة، قاعة الدعاية والتدريس وغسل المخ، وغيرها من الأقسام.
وكان المعتقلون يصنّفون إلى ثلاث أقسام: المعتقلون المتصلّبون وهم الذين يجاهرون بعدائهم لفرنسا ويظلون متمسكين بمبدئهم الثوري، أما المعتقلون المتردد،ن فهم المتذبذبون بين الولاء لفرنسا وبين الثبات على المبدأ الثوري وغالبيتهم يعاني من مرض نفسي وانفصام في الشخصية، في حين المعتقلين الخونة هم الذين استسلموا للعدو وتنكّروا لماضيهم حتى أضحوا يساعدون الجلاّدين في تعذيب إخوانهم ويقومون بالتجسس داخل المعتقل.
ومن أنواع التعذيب الممارس نجد عمليات غسل المخ، التعذيب بواسطة صنع الطوب، التعذيب بواسطة الجري على الزجاج، بواسطة تكسير الحجارة، بواسطة المياه المتعفنة، بواسطة الحفر والردم، التعذيب بواسطة الكلاب، التشويه الجسدي، الضرب المبرح، الحرمان من النوم، التعذيب بواسطة إتيان الفاحشة وأخذ الدم، الكي بالنار وغيرها من أنواع التعذيب الذي مارسته فرنسا المدعية للمساواة والحرية والعدالة.
وفي الأخير، أكّد عمار مشري أنّ معتقل قصر الطير لا يختلف عن المعتقلات النازية بل يفوقها في أساليب التعذيب الخسيسة التي كانت تمارس، وهي جرائم حرب يشهد عليها التاريخ، مذكّرا الأجيال بأنّ تكاليف النصر والحرية كانت غالية، لأنّ هناك أكثر من مليون ونصف شهيد وهناك الكثير من المعطوبين والمشوهين والمصابين بعاهات مستديمة، أو بعجز جزئي أو كلي، إذا فعلى أبنائنا الحفاظ على مكتسبات أجدادهم الذين ضحّوا بالنفس والنفيس من أجل استرجاع السيادة الوطنية . 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024