أحيت أمس الثلاثاء الذكرى المزدوجة لهجومات الشمال القسنطيني في ١٩٥٥ ومؤتمر الصومام في ١٩٥٦ اللذين يصادفان يوم ٢٠ أوت، هذا التاريخ الثوري والانتفاضة الجريئة التي أقدم عليها مجاهدو الشمال القسنطيني أعلن رسميا يوما وطنيا للمجاهد نظرا لما تحمله الذكرى من أهمية للحدثين في نجاح الثورة الجزائرية وكذا قرار قادة جيش التحرير الوطني في الشمال القسنطيني وبعد مرور أقل من سنة عن اندلاع الثورة من أجل الاستقلال، شن هجوم كبير على حوالي ٤٠ هدفا عسكريا واقتصاديا استعماريا، وكانت من بين أهداف هذا الهجوم الكبير فك الخناق على منطقة الأوراس التي كانت تضم أكبر عدد من المجاهدين حيث كان الجيش الفرنسي يلقي بكل ثقله بغية كبت تطلع الشعب الجزائري للاستقلال.
الذكرى التاريخية التي تم بموجبها تنظيم عدد من التظاهرات والفعاليات التاريخية بعاصمة الشرق الجزائري وتحديدا ببلدية عين عبيد ذلك من أجل الاحتفال بهاتين المناسبتين الثوريتين اللتين غيرا مجرى القضية الجزائرية، ووسعت من رقعة العمليات العسكرية في الشمال القسنطيني بقيادة البطل الشهيد زيغود يوسف وأصبح للقضية الجزائرية صدى واسعا في المحافل الدولية، كما زادت من نفس الكفاح المسلح ووسعت دائرة انتشار العمليات الحربية لجيش التحرير الوطني في كل أرجاء الجزائر ممزقة في ذلك الحلم الاستعماري القاضي بإجهاض الثورة الجزائرية في المهد وفصلها بأي حال عن التفات الجماهير الشعبية حولها.
«الشعب» وبهذه المناسبة التاريخية سلطت الضوء على هذه الذكرى المزدوجة من خلال الحديث مع عدد من المجاهدين الذين عايشوا هجومات ٢٠ أوت ١٩٥٥، هي اليوم حقائق صارخة من أفواه صانعيها وشهادات حية لذلك اليوم المشهود، عهدنا إلى تسجيل وقائعها التي تكاد تتلاشى من ذاكرة أولئك المجاهدين الذين اقتحموا أسوار المدن في عز النهار بسلاح أمضى ما فيه إيمان بعدالة القضية وعزم دافع على تلقين الاستعمار وأذنابه درسا آخر بعد عشرة أشهر من اندلاع الشرارة الأولى لثورة نوفمبر ١٩٥٤.
ووفق شهادات لمجاهدين شاركوا في هذه الأحداث التاريخية والذين قصوا علينا ما حدث بتاريخ ٢٠ أوت والتي تلخصت أحداثها في قيام المجاهدين بهجومات جماعية على المنشآت الإستراتيجية للعدو ذلك باستخدامهم لوسائل حرب بسيطة تمثلت معظمها في بنادق صيد، أدوات تخريب جد محدودة متمثلة في الخناجر والفؤوس والبنزين هذه التي ساعدت على شل أركان العدو واحداث الهلع والفزع وسط المعمرين والأقليات الموجودة في المدن الخاصة.
ومقابل هذا الانتصار الرائع لجنود جيش التحرير الوطني اضطرت القيادة العسكرية الفرنسية إلى تغيير خططها وبرامجها لمواجهة المجاهدين، فراحت ترتكب المجازر الرهيبة في حق أبناء الشعب الجزائري، من أجل إيقاف المد الثوري وفصل الجماهير الشعبية عن الالتفاف حول جيش التحرير الوطني وبالرغم من الأعمال الإجرامية التي ارتكبها الجيش الاستعماري منها خاصة الإبادة الجماعية للسكان على مدى أسبوع كامل فإن الثورة التحريرية من جهتها فرضت في الميدان واقعا معاكسا تماما لأحلام الاستعمار، هذا وتعود الاستعدادات لتحضير هجومات ٢٠ أوت إلى شهر جوان ١٩٥٥ حيث تمكن القائد زيغود يوسف من الاجتماع بضباط المنطقة وذلك في جبل الزمان من أجل ضبط قائمة الوسائل المادية التي يمكن استخدامها في تنفيذ عملية الهجوم، وبدأت مرحلة التجنيد والتعبئة في أوساط المدنيين إلى جانب جمع الأسلحة وكل المعدات التي من شأنها التأثير على منشآت العدو.
عين عبيد تتذكر بطولات الثوار
هذا وقد توجهت كافة السلطات المدنية والعسكرية نحو بلدية عين عبيد بولاية قسنطينة للاحتفال بالذكرى المزدوجة لأحداث ٢٠ أوت ١٩٥٥، حيث توجهوا نحو مقبرة الشهداء بالبلدية أين تم رفع العلم الجزائري بحضور الأسرة الثورية وسكان البلدية المعروفة بمجاهديها وشهدائها الأبرار، كما توجهوا نحو تسمية ثانوية جديدة على اسم المجاهد الراحل «عبد الحميد مهري» وكذا تدشين مركز ثقافي جديد للبلدية، كما عرف بهو المسرح الجهوي لمدينة قسنطينة عرض فيلم وثائقي من إخراج وتأليف السيد «عبد الكريم عبيدات» والمستوحى من كتابه «عبد العزيز بوتفليقة تعترف الأمة برجالها العظماء» ذلك بحضور كثيف للمواطنين والمنتخبين المحليين للولاية وكذا السلطات المدنية والعسكرية، حيث كان عملا يروي بما مرت به الجزائر من ويلات ومحن، وعمل يخاطب القلوب والضمائر الحية التي تعيش من أجل إرساء الأمن والأمان للأمة الجزائرية.