يعتبر الشهيد الرمز عبد العالي بن بعطوش واحدا من القادة الثوريين الشهداء غير المعروفين، وواحدا من الرموز التي لم يمط لثام الحقيقة والشهادة الحية بعد عنها من قبل من عايشوها، كما يعد واحدا من النوادر الذين آثروا العمل المسلح في أعالي جبال الجزائر الشامخة، وكهوفها ومغاراتها، مداويا بذلك المصابين والمرضى والمعطوبين من رفقاء الدرب حاملي السلاح، على العمل السياسي حسب شهادة أخ الشهيد رشيد بن بعطوش.
يذكر السيد رشيد بن بعطوش لـ «الشعب»، انه بعد ان قرر الشهيد الرمز الرائد عبد العالي بن بعطوش رفقة زميل الدرب الدكتور الأمين خان الجيجلي ترك العمل الدراسي، لمطاردتهما من قبل الاستدمار الفرنسي، توجها مباشرة إلى مدينة قسنطينة مسافرين بالقطار قاصدين منطقة جبل الوحش، حيث كان بانتظارهم المسؤول بجيش التحرير في منطقة الشمال القسنطيني المرحوم المجاهد بوجريو سي مسعود، وسار بهما إلى مكتب الولاية الثانية، وهنا أسندت للشهيد الرمز وصديقه مهمة التكفل بالجانب الصحي للمجاهدين بالولاية من قبل قائد الولاية الشهيد البطل زيغود يوسف. حيث كان يقدم دروسا عملية في الاسعافات الأولية التي تلقاها في العاصمة.
وبعد اخلاص في العمل ومتابعة لقدراته وحنكته أثناء تأديته مهامه من قبل القائد الأول على المنطقة، عرض زيغود يوسف على الشهيد الرمز الانتقال من العمل الصحي الى العمل السياسي بصفته عسكريا، وقلد رتبة رائد في جيش التحرير الوطني. وانتقل عبد العالي بن بعطوش إلى مركز الولاية الثانية بالقل ليحضر اجتماع المنطقة الثانية في المكان المسمى «الشكايل»، وهنا التقى الشهيد الرمز رفقة قائده زيغود يوسف بكل من علي كافي وعلي منجلي وصالح بوبنيدر.
وفي شهر جوان كلف من قبل زيغود بانشاء نصوص قانونية تنظم عمل اللجان والمجالس الشعبية في القاعدة التي أنشئت بديلا عن المجالس والقوانين الفرنسية الجائرة، فكان لزيغود ما أراد. ويضيف السيد رشيد بن بعطوش أنه لحد هذا الوقت، أي قبل انعقاد مؤتمر الصومام، كان لكل ولاية طريقة تسيير شؤونها، وما جاء مؤتمر الصومام إلا ليوحد الصفوف والرؤى والقادة صوب هدف و احد هو تحرير الوطن.
وقبيل انعقاد المؤتمر كلف زيغود يوسف الرائد عبد العالي بن بعطوش، بإعداد تقرير يعرض على القادة الستة في اجتماعهم المرتقب بتاريخ ٢٠ أوت، فما كان على البطل الرمز إلا الشروع في اعداد المشروع الذي سيكون وسيوافق عليه القادة في لقائهم، فكان التقسيم الإداري للولايات التاريخية، والتنظيم العسكري لجيش التحرير الوطني الذي لازال ساريا إلى الآن، فضلا عن التنظيم السياسي الذي حدد أولوية السياسي على العسكري، وهنا يذكر السيد رشيد أن الشهيد الرمز كان على علاقة مع كل من عبان رمضان والعربي بن مهيدي والعقيد عميروش الذي كان احد المعترضين على البند الذي تحدث عن أولوية السياسي على العسكري، غير أن عبد العالي استطاع بعد جهد مضنٍ دام ليلة كاملة، اقناع العقيد عميروش، وبعض القادة الذين اعترضوا على أولوية السياسي على العسكري.
نشاطه الثوري
أما عن نشاطه الثوري فيروي لنا اخوه السيد السيد رشيد بن بعطوش انه كان متعاطفا مع الثورة والثوار.. متأثرا بأفكار زميله في الدراسة بلعيد عبد السلام، المنخرط في حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية المنبثق عن حزب الشعب.
لم يكن الشهيد منتميا لأي حزب أو فئة.. كان الشهيد نائبا لرئيس جمعية الطلبة المسلمين لشمال افريقيا ١٩٥٢ / ١٩٥٣، ثم عضو اللجنة المديرة للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين حيث كان من بين الأعضاء المؤسسين لهذا التنظيم في فرنسا، ليصبح عضوا به في المكتب التنفيذي.
ومنذ اندلاع الثورة التحريرية عام ١٩٥٤ كان علاوة بن بعطوش من الطلبة الأوائل الذين انخرطوا في جبهة التحرير، وكونوا أول خلية من الطلبة المسلمين الجزائريين المنظمة لجبهة التحرير عام ١٩٥٦، وفي ١٩ ماي ١٩٥٦ كان الشهيد من بين الأوائل المسؤولين على الاضراب الذي شنه الطلبة الجزائريون، ثم دخل الشهيد رفقة زميله الامين خان في السرية تخفيا عن أنظار العدو وملاحقاته، وهنا وفي هذه الظروف اتصل بهما السيد بلعيد عبد السلام رفيق الدرب هو الآخر، من باريس يسأل عن حالهما ومآلهما، وهنا قرر الشهيد رفقة الامين خان الانضمام إلى الثورة مباشرة بعد النداء الموجه للطلبة للاتحاق بالثورة.
وفي شهر جوان من عام ١٩٥٦ توجه الرفيقان باتجاه قسنطينة اين التحق بمركز قيادة المنطقة الثانية ، قلده زيغود يوسف رتبة رائد في الجيش، نظير جهوده وحنكته، كلف مسؤول عن الجانب السياسي بالمنطقة الثانية، له علاقات عديدة مع مختلف قادة لثورة ساهم في اخماد نار الخلاف التي كادت تعصف في بعض الأوقات بين الاخوة العسكريين والسياسيين.
سافر الشهيد إلى تونس برفقة القائد علي كافي لحضور أول اجتماع للولايات التاريخية الستة مطلع ١٩٥٨، كان قد قدم خلالها تقارير مفصلة عن الأوضاع.
وبعد عودة الجميع إلى أرض الوطن في أواخر شهر فيفري، وبالضبط بعد خروجهم من غار الدماء من تونس مساء ٠٣ / ٠٣ / ١٩٥٨، وصل الكل إلى خط موريس المكهرب للمرور تحته بواسطة حفر خنادق، وعند مرورهم بدءا بالدليل ثم قائد الولاية ثم الرائد علاوة، استشهد هذا الأخير بعد لمسه السلك المكهرب الذي فاقت قوته الـ ٨٠٠٠ فولط، وليسقط الشهيد شهيدا ببوشقوف بمدينة ڤالمة .