الشهيد برحايل محمد الجمعي بن حسين المدعو «الجمعي ماني»، المولود سنة 1934 بدوار طامزة، ناحية خنشلة، إحدى قلاع الثورة بالأوراس، نشأ في أحضان أسرة ريفية محافظة وتعلم ما تيسر من القرآن الكريم في كتّاب القرية، لما بلغ أشده مارس الفلاحة والرعي كأغلب شباب المنطقة آنذاك في بيئة جبلية وعرة المسالك.
لقد ولدت الوضعية التي كان يعيشها الجزائريون في نفسه إحساسا بقيمة الوطن، وبظلم الاستعمار الذي حرمنا من كل شئ وازداد الإحساس حين انتشرت أفكار الحركة الوطنية، فدفعه ذلك إلى الانخراط في صفوف حركة الانتصار
للحريات الديمقراطية كمناضل، لأنه رأى في هذه الحركة سبيلا لتحريك وعي الجماهير ودفعهم إلى مقاومة المستعمر فتم انخراطه في إحدى خلاياها.
بعد أن بدأ قادة الثورة في الأوراس يعدون لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954، قام مناضلو الحركة الوطنية بهذه الناحية بالتحضير المادي بتوفير السلاح والتدريب عليه في انتظار اليوم الذي سيعلن فيه عن تفجير الثورة، وكان المناضل «الجمعي ماني» ضمن مجموعة تم اختيارها من طرف القيادة لتهيئة جهة طامزة للجهاد، لقد أدى النقص الكبير في كمية السلاح لدى قيادة الثورة في الأوراس إلى عدم إدراج اسم الكثير من المجاهدين الذين كلفوا بحمل السلاح ليلة اندلاع الثورة، وهذا ما أدى بقيادة الثورة إلى تكليف الشهيد ببعض المهام النضالية قبل إلتحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني.
لقد شعرت الإدارة الفرنسية أن هناك أمورا يجري التحضير لها، لذلك قامت بتتبع المشتبه فيهم واعتقال جماعة من المواطنين، والزج بهم في السجون والمعتقلات وكان الجمعي»ماني» من بين المعتقلين الذين رمت بهم سلطات الاحتلال في معتقل «الجرف» قرب المسيلة، وشاءت الأقدار أن تهب عاصفة في تلك الليلة على المعتقل فعصفت بخيامه واقتلعت حواجزه مما ساعد مجموعة كبيرة من المعتقلين على الفرار والإلتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني مع مطلع سنة 1955، وكان من بينهم الجمعي ماني.
بعد اتساع نطاق الثورة بفضل العمليات العسكرية الواسعة التي شنها المجاهدون الأوائل ضد القوات الفرنسية، وحصول الثورة على كميات هامة من السلاح الذي غنمته أفواج جيش التحرير الوطني من العدو تهيأت الظروف للشهيد وغيره للانضمام إلى أفواج المجاهدين. لما تولى القائد عمار عشي قيادة ناحية شلية عمل الشهيد تحت قيادته، ثم تدرج في الرتب العسكرية من قائد لفوج الكوماندوس برتبة عريف إلى قائد كتيبة برتبة مساعد ثم رقي إلى رتبة ملازم عسكري بالناحية الثانية «شلية»، ثم عين عضوا ملازم عسكري للناحية الرابعة «كيمل» سنة 1957 بالمنطقة الثانية.
قاد الشهيد عدة معارك كبيرة وشارك فيها، من بينها معركة»فين قيقل» سنة 1955 و»عرار» قرب قايس سنة 1956 وطامزة يوم 4 جوان 1958، عين الفضة يوم 10 جانفي 1959 ومعركة زكام الكلاب يوم 20 مارس 1960 وغيرها من المعارك والكمائن التي خاضها ضد القوات الفرنسية، وفي جوان 1960 عين بالمنطقة الأولى بالولاية الأولى كقائد عسكري للمنطقة برتبة ضابط أول، حيث قام بالتنسيق بين نواحيها الأربعة مخططا للعمليات العسكرية ثم منفذا.
استشهد يوم 20 أكتوبر 1961 عندما قامت القوات الفرنسية بتطويق جبل بواري، قرب تاكسلانت بالمنطقة الأولى التابعة حاليا إلى دائرة سي سليمان بعد أن اكتشفت مكان اجتماع المجاهدين بمنزل أحد المناضلين، مما أدى بالمجاهدين إلى الدخول معها في معركة غير متكافئة أسفرت عن استشهاد ستة عشر مجاهدا من بينهم محمد الجمعي برحايل المدعو «الجمعي ماني»، عيسى علالي، محمد القيرواني، الصادق شبشوب، كما جرح جار الله محمد الشريف مسؤول المنطقة ومصطفى أعبيد المدعو مسعود سياسي المنطقة.