وأضاف المؤلف أنه عندما رفض الوفد الجزائري الفكرة وأصر على وحدة التراب الوطني، صعدت فرنسا من حدتها مهدّدة باستعمال القوة، وفي الوقت الذي كان فيه الوفد الفرنسي يمارس مختلف الضغوطات على الوفد الجزائري لإرغامه على القبول بشروطه كأرضية لتسوية المشاكل العالقة، ذهبت أطراف أخرى تنشط في الخفاء وتمهد لهذا الفصل بكيفيات أخرى بإثارة حساسيات محلية وأطماع دول مجاورة مقابل الحصول على امتيازات اجتماعية.
وأشار الأستاذ في كتابه أن المكاتب الإدارية للشؤون المحلية راحت تخطط للعملية بالتنسيق مع حمزة أبو بكر رئيس مجلس عمالة الواحات (ورقلة)، والغاية من هذا المشروع هو محاولة إثبات الهوية الصحراوية المتميزة بخصائصها وبنظمها وتركيبتها الاجتماعية، ولكي تروج السلطة الاستعمارية للمشروع نشرت خبرا بصحيفة ''ليبراسيون'' مفاده أن وفدا صحراويا قام بزيارة إلى باريس يدعو فيها إلى قيام دولة صحراوية.
وبمجرد انتشار الخبر قال ذات المصدر تحرك حمزة أبو بكر وبإيعاز من مكاتب ''صاص'' لإتمام بقية السيناريو وتقديرا للمجهودات التي بذلها في سبيل تحقيق هذا المشروع، تلقى وعدا من السلطات الفرنسية بأن يتولى إمارة الصحراء، وقد جندت فرنسا للترويج لهذا المشروع إمكانيات مادية وأدبية خطيرة وسخرت أقلاما مأجورة بعدة صحف معروفة على الساحة الإعلامية مثل جريدتي ''لوموند وليبراسيون''.
وكانت تصريحات شارل ديغول هي المادة الدسمة التي تتغذى منها هذه الصحف مثل ''الصحراء الجزائرية خرافة قانونية ووطنية لا سند لها في التاريخ''، وقوله أيضا: يمكن أن نقبل أشياء كثيرة ما عدا التنازل عن الصحراء لجبهة التحرير الوطني هكذا بكل بساطة''، حسب ما جاء في مذكرات الرئيس الفرنسي شارل ديغول بعنوان ''الأمل''، وبالمقابل، قام بعض الأعيان بالترويج للفكرة وأقنعوا بعض الفئات على تبني المشروع .
أما على الصعيد المغاربي أو الجهوي، أوضح مسعود عثماني فقد كان لتصريحات دوغول صدى عميقا في نفوس بعض الرؤساء مثل الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والملك المغربي محمد الخامس اللذين أغرتهما هذه التصريحات، وظنا بأن الصحراء فضاء واسع وملك مشاع، كما اعتقدا أن الحكومة الجزائرية المؤقتة لن تصمد أمام إصرار دوغول الذي راح يلوح باستعمال القوة من أجل الاحتفاظ بالصحراء، وهو لم يخف ذلك ويعلنه صراحة، مضيفا بأن هاتان الحكومتان طالبتا بتعديل الحدود مع الجزائر عبر ضم مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية.
فالملك المغربي توفي قبل أن يتحقّق حلمه بضم منطقة ''تندوف'' إلى المغرب، فخلفه ابنه الحسن الثاني الذي طالب بعد ذلك بأراضي واسعة في منطقتي تندوف وبشار، وعندما لم تستجب له الحكومة الجزائرية حديثة العهد بالاستقلال، شنّ حربا عسكرية واسعة خلال شهر أكتوبر ١٩٦٣، وحاول ضم هذه الأراضي بالقوة.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد حاولت فرنسا إثارة مشكلة الصحراء لكن بصيغة أخرى فهي تعمل في الظاهر على إنشاء منظمة مشتركة لاستغلال الثروات الطاقوية الصحراوية، بحيث تضم المنظمة مستعمرات فرنسا السابقة (موريتانيا، السينغال، النيجر، مالي، تشاد)، وفي الخفاء فهي تحاول من خلال هذا التنظيم الحصول على تأييد هذه الدول لفرنسا في محاولتها فصل الصحراء عن الشمال، ولعلّ أوضح برهان يدحض هذه المحاولة قال ذات المؤلف هو ما جاء في رد رئيس النيجر آنذاك حماني ديوري، الذي أجاب حول الموضوع: ''لن أساهم في خلق ''كاتنغا صحراوية''، وقد سجلت جميع الدول المحيطة بالجزائر تحفظها رغم الضغوط التي مارستها فرنسا على هذه الدول التي نالت استقلالها عن فرنسا حديثا أي سنة ١٩٦٠. وهكذا وبفضل حنكة الدبلوماسيين الجزائريين من قادة جبهة التحرير الوطني تمكنت هذه الأخيرة من إبقاء الصحراء قطعة لا تتجزأ من الوحدة الترابية.
الجزائـــر لم تسلــم مــن أطمـاع جيرانهــا
شوهد:1729 مرة