يفتخر جيل اليوم بأن أجداده كانوا أبطالا إبان الاحتلال الفرنسي، كل فئات المجتمع الجزائري شاركت في تحرير هذا الوطن، لاسيما المرأة الجزائرية التي يعود لها الفضل في الوقوف إلى جانب أخيها الرجل، في المعركة المصيرية منهم الشهيدة زبيدة ولد قابلية المدعوة ''صليحة''. كانت أكثر من يزود المجاهدات بالأخبار لأن لها إخوة لديهم ميول سياسية وأثناء تردد رجال السياسة على منزلها كانت تستمع الى حديثهم عن الوضع السياسي في الجزائر.
ولما اندلعت الثورة التحريرية أنشأت جبهة التحرير بالجامعة خلية من بعض الطلبة الوطنيين لتأطيرهم وتعبئتهم للعمل الثوري، وأثناء نشاط زبيدة في تلك الخلية أظهرت شجاعة وقدرة كبيرة على التعبئة ومن باب اختبار نواياها وصدقها مع الثورة، كلفت بالمشاركة في عملية فدائية داخل ملعب ''سانت أوجان'' بولوغين حاليا، وتمثل دورها في إدخال قنبلة موقوتة الانفجار لتسليمها إلى مناضلة لها سبق في الميدان الثوري. حيث بدت في زي فتاة أوروبية مناصرة لفريق رياضي من أبناء المعمرين.
استطاعت الشهيدة أن تدخل الملعب دون أن تتعرض للتفتيش وسلمت القنبلة لزميلتها بعد أن لفتها في ثوب من ثيابها استرجعته لتوها من محل تنظيف الملابس، حيث وضعت زميلتها القنبلة في المكان المناسب، وتركتها مغطاة بثوب زبيدة. وبعد انفجارها عاين البوليس الفرنسي مكان الانفجار وتفحص أجزاء الثوب الممزق فعثر على الرقم الذي ألصقه صاحب المحل بالثوب ليهتدي به إلى معرفة صاحبته.
بحث البوليس الفرنسي عن محل التنظيف اعتمادا على ذلك الرقم، حتى تعرف عليه وعلى صاحبة الثوب التي أدخلت القنبلة الى الملعب. فلما علم المسؤول الذي كلفها بالمهمة أن البوليس يبحث عنها فنصحها بمغادرة العاصمة.
عادت زبيدة الى مسكن عائلتها بمدينة معسكر، وهي أكثر عزما وتصميما على مواصلة النشاط الفدائي الذي بدأته في العاصمة، وفي هذه الفترة أطلق عليها اسم ''صليحة''، ولما تأكد مسؤولو الثورة في معسكر من كفاءتها كلفوها ببعض المهمات داخل المدينة منها الاتصال بطلبة الثانويات قصد توعيتهم بأهداف الثورة وكشف مخططات العدو الرامية الى القضاء عليها.
استطاعت زبيدة إقناع عدد منهم فاستجابوا لنداء جبهة التحرير التي دعت فيه الى إضراب الطلبة ١٩ ماي ١٩٥٦، كما شاركت في نقل الأسلحة التي نفذ بها الفدائيون عملياتهم داخل مدينة معسكر وضواحيها، واتصلت بعدد من العائلات قصد توعية أفرادها وجمع التبرعات منهم، وفي نفس الوقت كانت تفضح جرائم العدو ومخططاته.
وللإشارة، ولدت زبيدة ولد قابلية بتاريخ الـ٣٠ جويلية ١٩٣٤ بمدينة ''طنجة'' بالمغرب الأقصى، نشأت في أسرة ميسورة الحال تتكون من عدد من الأبناء ولما بلغت سن الدراسة التحقت بمدرسة فرنسية بطنجة، ولكن بعد السنة الدراسية الأولى في حياتها انتقلت مع أفراد أسرتها الى معسكر مسقط رأس والدها.
واصلت زبيدة دراستها في مدينة معسكر بجد واجتهاد حتى تحصلت على الجزء الثاني من شهادة البكالوريا ـ شعبة العلوم ـ، وهو ما سمح لها بالالتحاق بجامعة الجزائر لتواصل دراستها الجامعية في كلية الطب (قسم طب الأسنان)، وأثناء دراستها بالجامعة اندلعت الثورة التحريرية المباركة.
وفي أواخر عام ١٩٥٦، قررت قيادة الثورة بالناحية تكوين مجموعة ''شبه طبية'' لمعالجة وإسعاف جنود جيش التحرير الوطني، فاستدعيت صليحة للالتحاق بهذه المجموعة. وأثناء قيامها بهذه المهمة شاركت في العديد من المعارك التي وقعت بين المجاهدين وقوات العدو، استمرت صليحة في كفاحها بنفس العزيمة والإرادة والثبات تقطع المسافات وهي تحمل الأدوية ووسائل العلاج البسيطة لإسعاف الجرحى.
بعد بضعة أشهر مرت على استشهاد طبيب الولاية الخامسة كلفت قيادة المنطقة مجموعة من المجاهدين بالتوجه الى ناحية حمام بوحنيفية بولاية معسكر للإشراف على علاج المجاهدين الجرحى، فوقع الاختيار على الممرضة لترافقهم.
غادرت المجموعة مكانها ليلا وأثناء السير وقع أفرادها في كمين نصبه لهم العدو وفاجأهم بإطلاق النار عليهم، مما أدى الى استشهاد جندي من المجموعة وإصابة صليحة بينما نجا البقية من الكمين وتمكن العدو من الوصول الى صليحة وهي بين الموت والحياة، حيث نقلت للمستشفى وأجريت لها عملية جراحية، وللأسف لم تكن هذه الأخيرة ناجحة فتوفيت الشهيدة بتاريخ الـ٢١ ديسمبر ١٩٥٨، بعدما قدمت واجبها بكل إخلاص من أجل أن يعيش شباب اليوم حرا.
الشهيدة زبيدة ولد قابلية المدعوة صليحة:
شجاعة كبيرة على التعبئة في العمليات الفدائية
سهام بوعموشة
شوهد:8191 مرة