نقف مرة أخرى على ذكرى لإحدى الشهيدات البطلات، اللاّئي جمعن بين مهنة التمريض والكفاح المسلح، واقفة إلى جانب شقيقها الرجل غير مكترثة بأنوثتها التي جردها منها الاستعمار الفرنسي الذي اغتصب الأرض وقتل وعذب وقام بتهجير أبناء جلدتها، فلم تستسلم لتهديدات العدو وجبروته حاملة القضية الجزائرية في قلبها.
ولدت الشهيدة مليكة قايد في أحد أحياء العاصمة، وبالضبط في حي بلكور عام 1933، زاولت دراستها بالمدرسة الابتدائية سنة 1939، ثم انتقلت إلى برج بوعريريح سنة 1942 أين نالت شهادة التعليم الابتدائي سنة 1947، كما تحصلت على شهادة في التمريض سنة 1953.
ومن هنا كانت البداية للتفكير في الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، بحيث كان هذا الطموح يلازمها منذ كانت صغيرة، وشاءت الأقدار أن تجعل منها ممرضة وهو ما كانت تحتاج اليه الثورة في أعوامها الأولى، كانت تنتظر الدعوة للانضمام إلى صفوف جيش التحرير. في 13 جوان 1955م تلقت اتصالا من طرف العقيد عميروش وطلب منها الالتحاق بجنود جبهة التحرير فلبت النداء جندية ثائرة وممرضة ساهرة مضرب الممثل في التضحية الوطنية.
كما حضرت مؤتمر الصومام في 20 أوت سنة 1956، استعانت بها الثورة الجزائرية لعلاج الجرحى الثوار، وكانت تمثل المرأة الثائرة نهارا رفقة المجاهدين، والممرضة الساهرة ليلا إلى جنب إخوانها المجاهدين المجروحين في ساحات المعارك.
كانت الشهيدة من أهم عناصر الثورة الجزائرية، وكان لها دور كبير في تنظيم المظاهرات وتعليم المجاهدين وعملت في الحرب كطبيبة، كانت من أهم النساء في تسيير الخطط ورسمها وتنفيدها ونقل الأخبار وقد كانت مكلفة بصناعة القنابل، برفقة ياسف سعدي والعربي بن مهيدي وبرفقة حسيبة بن بوعلي وغيرهم، وأصبحت المطاردة رقم 1 من طرف قوات العدو، واشتهرت في تفجيرات 5 ديسمبر بحي القصبة العتيقة، إلى أن اكتشف أمرها سنة 1957.
في 20 جوان 1958 بمشدال ولاية البويرة، حين كانت تعالج بعض المرضى اكتشف أمر بعض المجاهدين، حيث قام جيش العدو برمي قنبلة في المنزل الذي كانت فيه مليكة قايد فاستشهدت هي والمجاهدون الذين كانوا معها حاملة العلم الجزائري والسلاح في يدها، وهذا بعد معركة دامية شارك فيها الجنرال السفاح «بيجار» رفقة ما يقارب ثلاثة آلاف جندي فرنسي، لكنها لم تستسلم إلى آخر نفس لتسقط في ساحة الشرف بالجبال بعدما أفرغ العدو الرصاصات في صدرها، وهي لم تتجاوز الـ 23 سنة.