أجمع الذين قدموا شهاداتهم عن الفقيد الشيخ أحمد توفيق المدني، على أن العلامة قدم الكثير للجزائر من نضاله الوطني مبكرا في تونس قبل وإبان وبعد الثورة، وواصل خدمته للجزائر غداة الاستقلال بتقلد عدة مناصب، وموازاة مع ذلك كان يواصل عمله في مجال التاريخ من خلال البحث وجلب الأرشيف الجزائر بتركيا.
هو أول من أسّس مؤسسة الدراسات التاريخية التي أضافت الكثير لمجال التأريخ ونفض الغبار عن تاريخ الجزائر الذي لا نعرفه والموجود في دور الأرشيف التركية والأمريكية وغيرها من الدول.
أكد عبد المجيد شيخي المدير العام للمركز الوطني للأرشيف الجزائري، أن المؤرخ والوزير السابق الفقيد أحمد توفيق المدني خدم الجزائر لفترة طويلة قبل الثورة ، أثناءها وبعدها. كتب عدة مؤلفات ومقالات، كما أفنى حياته في خدمة التاريخ.
وبحسب شيخي فمن المفارقات العجيبة أن المرحوم ولد في الفاتح نوفمبر 1899، تاريخ انطلاق الشرارة الأولى للثورة وتم نفيه من تونس إلى الجزائر في الـ5 جويلية 1925، أي تاريخ استقلال الجزائر، قائلا:» هذا يدل على أن مصير توفيق المدني مربوط بالجزائر منذ الولادة، التي أحبها حتى النخاع».
وأضاف شيخي أن الشيخ توفيق المدني، كانت تربطه علاقة وثيقة جدا بالأرشيف الوطني، وهو أحد المؤسسين لمدرسة الأرشيف الوطني، لإهتمامه نهاية سنة 1969، بجمع الرصيد العثماني وجلبه إلى الجزائر، كما سهر على بداية ترجمته بمساعدة مترجمين تركيين، وهو عمل جديد قام به المرحوم ويستحق أن يذكر، مشيرا إلى أنه لم يلتق بهذه الشخصية المثقفة الذي كان صديق والده، لكنه تتلمذ على يده من خلال كتاب الجغرافيا الذي كان أساس التعليم الجغرافي في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كونه كان دقيقا في معلوماته ويتناول جغرافيا الجزائر بالتفاصيل، وهو كتاب مرجعي بحق.
وأضاف المدير العام للمركز الوطني للأرشيف الجزائري، أن شخصية توفيق المدني يصعب تقييمها بالنظر إلى إنتاجه الفكري وتخصّصه في التاريخ في مطلع العشرينيات، بحيث أصدر كتاب الجزائر حول مئوية احتلال الجزائر سنة 1931، الذي يأتي جوابا عن الاحتفالات الفرنسية باحتلال الجزائر، وحسبه، فإن هذا المؤلف من أدق الكتب في التعريف بالجزائر.
السيدة صاري لـ:«الشعب»: كان الأستاذ القدوة تعلمت منه الكثير
من جهتها، أبرزت فاطمة الزهراء صاري إطار متقاعد بالمركز الوطني للأرشيف الجزائري لـ»الشعب» القيمة العلمية لشخصية الشيخ توفيق المدني وشغفه بالبحث في مجال التاريخ، كونها كانت تشتغل معه في بدايتها بمركز الدراسات التاريخية التي كان رئيسها الشرفي حين تخرجت من قسم التاريخ بالجامعة ، فكان هو القدوة بالنسبة لها والأستاذ الذي تعلمت منه الكثير.
أضافت صاري في تصريح لنا أنها تتذكر، حين بدأت العمل مع المرحوم في شهر جانفي، ففي جوان نظم توفيق المدني ملتقا دوليا حول ابن خلدون وكان دائما شغوفا بالأرشيف، قائلة:» الشيخ توفيق المدني كان احتكاك لي وأول أرشيف بالنسبة لي، عالجت معه الفترة العثمانية وهي عبارة عن وثائق ونسخ يحضرها من اسطنبول من بيت خط همايون».
وأوضحت السيدة صاري في هذا الإطار، أن هذه النسخ التي أحضرها هي أرصدة مختلفة للأرشيف العثماني، بحيث كانت مكتوبة باللغة العثمانية فكان هناك مترجم تركي يقوم بالترجمة ، مشيرة إلى أنها بفضل مركز الدراسات التاريخية استفادت من تكوين بتركيا لدراسة اللغة العثمانية التي تتقنها جيدا، كما أنها أمضت السنة الدراسية الجامعية في تعلم اللغة العثمانية والحديثة.
وأكدت في هذا الشأن أن، الفقيد ترك لنا أثار جيدة للأرشيف وقد حببها في دراسة الأرشيف العثماني بحيث بقيت تعمل في هذا التخصص مدة 32 سنة، ولديها أرشيف تمّ جلبه من فرنسا وهو بيت المال والبايلك، قائلة:» لديّ نسخة ودراسة خاصة بالوقف بالجزائر»، وللعلم فإن السيدة صاري تمّ تكريمها مؤخرا من طرف الفرع الإقليمي العربي للأرشيف، بحيث شرفت الجزائر.