لا يمكن أن نمرّ مرور الكرام على ذكرى وفاة شيخ المؤرّخين وعميد التاريخ والمجاهد المرحوم أبو القاسم سعد اللّـه الذي تتلمذت على يده العديد من الأجيال، وقدّم هو بدوره الكثير من الأبحاث العلمية الدقيقة في تاريخ الجزائر، بحيث كان يفضّل تاريخ الفكر والثقافة على التاريخ السياسي والعسكري، ولعل ذلك يعود إلى تكوينه الأدبي، فهو أيضا أديبا كتب أشعارا عدة، كما هو مولع بـ «أدب الرّحلات»، وكان همّه الوحيد المحافظة على تاريخ الجزائر، بحيث كرّس حياته للبحث والدراسة، والجميع يشهد له بذلك، فكان رمز المثقف اليقظ، والمستقل وبرحيله في الـ 14 ديسمبر 2013 فقدنا مكتبة من مكتبات التاريخ.
وُلد الدكتور أبو القاسم سعد اللّـه عام 1930 بضواحي قمار بولاية الوادي، وهو باحث ومؤرّخ، حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العلوم من لغة وفقه ودين، وهو من رجالات الفكر البارزين ومن أعلام الإصلاح الاجتماعي والديني، له سجل علمي حافل بالإنجازات: من وظائف، مؤلفات وترجمات، كما درس بجامع الزيتونة بتونس من 1947 حتى 1954، واحتل المرتبة الثانية في دفعته.
بدأ الفقيد يكتب في صحيفة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين سنة 1954، وكان يطلق عليه «النّاقد الصّغير»، كما درس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في القاهرة، وحاز على شهادة الماجستير في التاريخ والعلوم السياسية سنة 1962، ثم انتقل إلى أمريكا سنة 1962، حيث درس في جامعة منيسوتا التي حصل منها على شهادة الدكتوراة في التاريخ الحديث والمعاصر باللغة الإنجليزية سنة 1965، إضافة إلى اللغة العربية، كان يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، ودرس أيضا اللغتين الفارسية والألمانية.
ومن أشهر مؤلفاته موسوعة: «تاريخ الجزائر الثقافي» (9 مجلدات) الصادر سنة 1998، «أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر» (5 أجزاء)، «الحركة الوطنية الجزائرية» (4 أجزاء)، «محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث» (بداية الاحتلال)، ط 1، «بحوث في التاريخ العربي الإسلامي»، «الزمن الأخضر»، «ديوان سعد الله»، الصادر سنة 1985، «سعفة خضراء»، «دراسات في الأدب الجزائري الحديث»، «تجارب في الأدب والرحلة»، «منطلقات فكرية»، ط 2، «أفكار جامحة»، «قضايا شائكة»، «هموم حضارية»، كما قام بترجمة بعض المؤلفات مثل «شعوب وقوميات»، «الجزائر وأوروبا» وغيرها من المؤلفات.
وبالمقابل، شغل الفقيد سعد الله منصب أستاذ التاريخ بجامعة آل البيت الأردن، ما بين 1996 ــ 2002، أستاذ التاريخ، جامعة الجزائر منذ 1971 م، أستاذ مشارك في التاريخ، جامعة الجزائر 1967 ــ 1971، أستاذ مساعد في التاريخ، جامعة ويسكنسن، أوكلير (أمريكا) خلال الفترة 1960 ــ 19 76م، وكيل كلية الآداب، جامعة الجزائر خلال الفترة 1968 ــ 1972 م، رئيس قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة الجزائر ما بين 1969 ــ 1971 م. آخر ما كتب مقال مطوّل عنوانه
«أخيرا أتيناك طائعين يا باريس».
توفي سعد اللّـه يوم السبت 14 ديسمبر 2013، بمستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة وهو في سن 86 سنة بعد معاناة مع المرض.