القصّة الكاملة يرويها المجاهد عبد اللّـه دباغ لـ “الشعب”
عثمان دامرجي، عبد اللّـه دباغ، أحمد شيبان، يحيى رحال، مسعود بزة، شربال بن عمر، رشيد بن دريس، عبد القادر جوتي وغيرهم من الشباب الجزائري الذين كانوا في عمر الزهور وشاركوا في دعم الثورة، من خلال انضمامهم في القوات الخاصة البحرية، أي ما تسمّى “الضفادع البشرية” التي استحدثتها جبهة التحرير الوطني سنة 1956 بفكرة من أحمد بن بلة الذي كان آنذاك متواجدا بالقاهرة، وأراد أن يبتكر وسيلة جديدة لضرب الاستعمار الفرنسي، حسب شهادة المجاهد، وأحد الباقين على قيد الحياة من الضفادع البشرية. عبد اللّـه دباغ الذي التقيناه في أكتوبر 2016 بولاية إليزي بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 57 لمعركة إسيين. التفاصيل تنقلها “الشعب” من عين المكان.
سمعت عن الضفادع البشرية لكن بالأحرى شاهدت فيلما مصريا عنوانه “الطريق إلى إيلات”، وقد بهرت بشجاعة الرجال الضفادع التسع الذين تمكّنوا من انتشال الألغام التي كانت منتشرة في أعماق الساحل المصري ببراعة، لكن حين التقيت بالمجاهدين الذين بقوا على قيد الحياة وهم عثمان دامرجي وعبد اللّـه دباغ، وحسب شهادة هذا الأخير أيقنت أن الأبطال التسع من الضفادع البشرية، التي جسّدتها السينما المصرية ما كانوا في الحقيقة إلاّ أبطالا جزائريين، لكن وللأسف نحن لا نجسّد بطولاتنا في السينما لتعرفها الأجيال ونترك غيرنا يقوم بذلك.
واستنتجت ذلك ممّا رواه المجاهد وعضو فرقة الضفادع البشرية في شهادته لـ “الشعب” قائلا:« أثناء العدوان الثلاثي على مصر، قامت القوات البحرية المصرية بتوزيع ألغام على طول الساحل الشرقي، قبل أن تدرك أنها قامت بخطأ استراتيجي كبير، يتمثلّ في خطورة تلك الألغام على المصريين أنفسهم، اجتمع قائد أركان الجيش في قاعة كبيرة مع طلبة البحرية، وكان من بينهم الجزائريون التسعة المجنّدون من طرف الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، وطرح قائد الأركان قضية الألغام على الحضور”.
عندما فكّرت الإفلات في استحداث الفرصة ١٩٥٦
وأضاف دباغ أنّ قائد أركان الجيش المصري فتح باب التطوّع لمن يريد المشاركة في انتشال الألغام من البحر، باعتبار أنها عمليّة خطيرة وغير محسوبة العواقب، وبعد لحظات من إنهاء كلمته، لمح قائد الأركان تسعة أيدي مرفوعة في القاعة الكبيرة التي تضمّ مئات الضّفادع البشرية المصرية. طلب من الرجال التسعة التقدّم، ليكتشف لاحقا أنهم جزائريين، مؤكدا أن رجال الضفادع الجزائريين هم الذين انتشلوا ببراعة وثقة نادرة كلّ الألغام المنتشرة في أعماق الساحل المصري.
أوضح دباغ في سياق حديثه، أنّ جيش التحرير الوطني أولى أهمية بالغة لفرق الضفادع البشرية التي شكّلت النواة الأساسية للقوات البحرية الجزائرية، والتي استحدثتها قيادة جبهة التحرير الوطني سنة 1956 حين اقترح الرئيس الراحل بن بلة على مجموعة من الشباب الجزائري الذين كانوا يقطنون بمدينة وجدة بالمغرب، تكوين فرقة خاصة من الضفادع البشرية تقوم بمهمة تلغيم المراكب الحربية الفرنسية الراسية، بميناء طولون وبرست وطنجة وميناء المرسى الكبير بوهران، في ظروف مناخية صعبة، وكانت تضم ثمانية غوّاصين.
قامت الفرقة بتربّصات ميدانية رفقة الفرق المصرية، حيث حوّلت قاعدة بحرية إسبانية المحاذية لمدينة الناظور المغربية إلى مركز تدريب، بحيث كانت التدريبات قاسية جدا حسب ما قاله دباغ، وتمّ تجهيز هذه الفرقة التي ساهمت في تزويد الثورة بالأسلحة وتلغيم عدة سفن تابعة للعدو، كما لعب مؤسّسوها الأوائل دورا في تكوين بقية الفرق، وتشكيل القوات البحرية الوطنية غداة الاستقلال.
التحق دباغ بمصر في مارس 1956 على متن طائرة كانت تقل الشباب الجزائري المتطوّعين والقادمين من وجدة، أين استقبلهم بن بلة وسألهم إن كانوا يعرفون سبب قدومهم فكان جوابهم بلا، فردّ بن بلة أنّهم “في مهمة سرية لا رجوع فيها، وهي تلغيم المراكب الحربية الفرنسية”.
أبدى الشباب الذين كانوا في صحة بدنية جيدة استعدادهم للقيام بالمهمة وكانوا متحمّسين ولديهم روح التضحية، بعدها تمّ إرسالهم إلى الإسكندرية وشرعوا في تدريبات قاسية جدا، بحيث يغطسون في البحر مساءً ولا يخرجون إلا في الصباح، وهنا يقول عضو فرقة الضفادع البشرية أنه حصل اعتداء على مصر، والتي خافت من إصابة مراكبهم بميناء الإسكندرية،.
جاء بن بلة وأخبرهم أنّ التمرين انتهى، وموازاة مع ذلك حضر مخطط ليسلمه لهذه الفرقة للقيام بالمهمة الموكلة لها، لكن للأسف ألقي عليه القبض في أكتوبر 1957، حيث عثر العدو على المخطط الموجود في الحقيبة والذي كان بحوزته.
من موانئ الإسكندرية إلى معركة إسيين
من الإسكندرية انتقل دباغ إلى فزان، ثم غات رفقة صديقه دامرجي وحوالي ثلاثين مجاهد وبعض التوارق، وتمّ تسليحهم للمشاركة في معركة إسيين بالحدود الجزائرية الليبية، كان حينها نائب المنطقة السادسة مع الفقيد الشريف جغري بعدما أخبروا أن هناك فرقة من الجيش الفرنسي جاءت عابرة من إليزي إلى جانت تضم ثلاث شاحنات محملة بالبنزين والأغذية، فنصبوا كمينا وأحرقوا لهم كل شيء وقد تمّ تلقين قوات العدو درسا، وما يزال آثار المعركة شاهدة في منطقة سيلان.
وهنا يتوقّف المجاهد قائلا: “تعبنا كثيرا بسبب غياب الدواء والماء، أصاب معظم رفقائنا مرضا بحيث أصبح يتطاير الدم من أجسادهم، لكنّنا نفتخر لنجاح العملية ماديا وبسيكولوجيا”، مضيفا أنّه بعد هذه المعركة توجّهوا نحو تونس أين وجدوا الرئيس الأسبق الراحل هواري بومدين، الذي عين قائد الأركان وتفاجأ بوجود فرقة اسمها الضفادع البشرية، حيث قام بالبحث عن أعضاء الفرقة، فوجدوا ثمانية من 12 عضو والبقية استشهدوا.
اجتمع الناجون في تونس، وأوكلت لهم مهمة تدريب الشباب لرفع المشعل والقيام بعمليات، فتم اقتيادهم إلى الناطور للتمرن في البحر مدة شهرين، بعدها أعدوا تقريرا يوضح احتياجاتهم من حيث توفير السلاح وألبسة الغطس، وكذا تزويدهم بـ 150 شاب وقاعدة بحرية، وهي موجودة بالناظور بالمغرب.
وحسب شهادة دباغ، فإنّه تمّ اقتناء أدوات الغطس من إيطاليا، واختيار مجموعة من الشبان القادرين على أداء المهمة وعددهم ثمانين شخصا، بحيث خضعوا للتدريب بالقاعدة البحرية بالناظور وعلى 15 كلم من ميناء مليلة الذي كان تحت الحكم الاسباني، كان الشبان يغطسون ليلا، وهناك لا يمكن لفرنسا اكتشاف أمرهم، بحيث كانوا يتجوّلون أمام المراكب الفرنسية التي كانت متواجدة بالميناء وخلقوا للعدو حربا نفسية بتلغيم مراكبهم.
واختتم محدثنا شهادته بقوله أنّه بعد الاستقلال مثّل الجيش الوطني الشعبي بموسكو، باريس ولندن، وشغل منصب ملحق حربي بروما، بعدها استدعي من طرف الفقيد الرئيس الشاذلي بن جديد ليتولى منصب واليا بكل من جيجل، بسكرة وعنابة، بعدها استكان إلى الراحة بعد تعب ومسيرة نضالية مشرفة، قائلا:« تشكيل فرقة الضفادع البشرية سلاح قوي استخدمته فرنسا وإيطاليا في الحرب العالمية الثانية، ويتطلب الإرادة والشجاعة لتلغيم المراكب، في حالة خطأ يمكن أن تنفجر فيك القنبلة”.