أكّد الدكتور سليم قلالة في حديث لـ ''الشعب'' على الأهمية القصوى لتكنولوجيات الاتصال ووسائل الاعلام الثقيلة، في نشر التاريخ الجزائري الصحيح، حماية لعقول الشباب الجزائري الذي نأى بنفسه عن قراءة التاريخ الحقيقي لثورته المجيدة، لمؤلفيه ومؤرخيه من أبناء الوطن، على حدّ تعبيره.
ودعا الدكتور على هامش الملتقى الوطني الـ ١١ المنظّم من قبل الجمعية الخلدونية للبحوث والدراسات التاريخية تحت عنوان: ''منطقة الزيبان بين الحركة الوطنية
والثورة التحريرية''، والذي حضره أبرز أساتذة التاريخ في جامعات الجزائر كالعربي الزبيري، الشباب الجامعي إلى التجند والنزول للميدان من أجل ملامسة الوقائع والاستئناس بالأدلة التاريخية من جيل الثورة مباشرة، وهو الأمر الذي إذا ما تقرّر سيحدث قاعدة صلبة تمكّن الجيل القادم من قراءة صحيحة ومطمئنة للتاريخ الوطني.
@ الشعب: حدّثنا عن مشروع كتابة تاريخ منطقة الزيبان، وأين موقع الشباب فيه؟
@@ د ـ سليم قلالة: نهدف أساسا من خلال مشروع كتابة التاريخ، إلى ربط الشباب بالحركة الوطنية والتاريخ، وذلك من خلال طريقتين نعتبرهما أساسيتين، الأول: ربط هذا الجيل من الشباب بمن صنعوا تاريخ هذه المنطقة مباشرة، وثانيا: إلى التزود بالمعلومات عن الثورة في هذه المنطقة، معتبرين في آن واحد بأنّ الطريقتين تبنيان قاعدة ميدانية صلبة، وتمنحان نظرة واضحة وواقعية لتطور المجتمع، بما يخدم الخط الوطني الذي انطلق فيه الآباء المجاهدون والشهداء الأبرار.
وهو العمل الذي يسمح لهذا الجيل من التعرف على نفسه، حيث أنه يعدّ محور هذا النشاط، وهو الآن يمارس تكوينه في الجامعة متخذا من الميدان منطلقا له، وجدنا إرادة وعزما كبيرين يسمحان له بتأدية العمل بنفسه، مما سيمكّنه من النظر للواقع نظرة صحيحة. ذلك أنّ كتابة التاريخ من طريق المستدمر الفرنسي ستكون ــ وهي كذلك ــ محل شك وريبة ونقد من قبلهم، لذا فإن انطلاقهم للميدان وملامستهم للوثائق التاريخية والشعور بقيمتها، يشكل رصيدا حيا، كل هذا يجري بنصيحة وتوجيه منا.
@ كيف ترد على من يتحدث عن غياب مؤرخين ومدارس لكتابة التاريخ في الجزائر؟
@@ أنا لا أوافق القول، بأنه لا توجد مدرسة لكتابة التاريخ في الجزائر، وإن كان مصدرها لباحثين جزائريين، بل بالعكس لدينا الكثير من الباحثين والمؤرخين من أبناء الوطن الذين لديهم إسهامات جادة، بدليل أنّ الفرنسيين أنفسهم يستاؤون كثيرا من الاصدارات الجزائرية المترجمة إلى اللغة الفرنسية، كما أنّ هناك فرنسيين وأجانب كتبوا تاريخ الجزائر ضمن منهج المدرسة الجزائرية، ترجمت أعمالهم من قبل وزارة المجاهدين. صحيح أنّنا لم نصل إلى مستوى معين، غير أنّ هناك نقطة لابد من الإشارة إليها والتنويه بأهميتها، وهي الترويح الاعلامي للمؤرخين الفرنسيين والأجانب، ومبالغ فيه أيضا من يقول بأن المدرسة الجزائرية لا تملك مؤرخين، كما أنّ العودة إلى بعض المصادر الفرنسية لبعض المؤرخين لا تعني بالضرورة التبعية المطلقة، فقد يرجع الواحد منا إلى مرجع معين بغية الاستفادة أو النقد ليس إلا.
@ ما قولك في من لا يثق من الشباب الجزائري في التاريخ المكتوب لبلاده، خاصة وأن إصدارات بعض الرموز شهدت ردودا من قبل المتابعين؟
@@ التاريخ لم يُقرأ، لذا أنا أدعو الشباب إلى هذا المشروع والنزول إلى الميدان وبهذا لن يرفض، ضف إلى ذلك وجود عامل خارجي يشتغل على هذا الميدان لتشكيك الناس في حقيقة العمل الثوري، خاصة إذا تأكّدنا بأنّ الإستدمار الفرنسي لم ولن يقبل إطلاقا طريقة الخروج من هذه البلاد، وسيعمل على التشكيك في كل شخص وتضخيم بعض الشهادات.
@ وهو ما أدى إلى التأثير على الروح الوطنية للشباب؟
@@ وهذا نتيجة فشل السياسة الإعلامية، إذ لابد من مراجعتها لما للإعلام الثقيل من تأثير كبير على العقل، خاصة إذا ما عرفنا أن هناك جهات خارجية تدرس عقلية الجزائري وعاداته وثقافاته، تسعى من خلال خطة ممنهجة إلى التأثير على عقله ووعيه، لتصل إلى إحداث نوع من تشكيك الشباب الجزائري في تاريخه العريق، كما يقول المثل: ''إمنح للشخص معلومات خاطئة، تخرّب ما لديه من عقل''، فما يحدث ليس نتيجة ضعف المادة الإعلامية التاريخية، إنما هو نتيجة ضعف وسيلة التأثير، حيث أنّنا لم نحسن استخدامها في التأثير على العقول.
@ هل يمكن القول بأنّ مرحلة كتابة التاريخ قد بدأت؟
@@ عملية كتابة التاريخ هي عملية ديناميكة، لا يمكن أن نضع لها حدودا زمنية.
@ وإذا ما تعلق الأمر بالخوف من وقوع البلاد في الفتنة؟
@ التاريخ وقع، حدث وانتهى، لا يمكن بأي حال من الأحوال تغيير الوقائع، الشيء الذي تغير فقط هو كيفية إيصاله عبر وسائل الإعلام الثقيلة وتكنولوجيات الاتصال الحديثة، حيث أنّنا إذا لم نعمل على تقديم المعلومات بالطريقة الصحيحة والأفضل، فإنّه ينبغي أن ننتظر نتائج عكسية، لأن الخلل لا يكمن كما قلنا آنفا في المادة التاريخية، إنما في الوسائل التي ذكرنا، بالإضافة إلى غياب سياسة إعلامية لقراءة التاريخ ونشره، فإذا ما قرأنا التاريخ لصار عندنا وعي كاف بذلك.