تميّزت الثورة الجزائرية بتعدّد وسائل النضال في المدن والجبال، حيث شهدت العاصمة عمليات فدائية ضد أهداف استعمارية عسكرية، عبر وضع القنابل وإطلاق النار على البوليس الفرنسي والخونة والأوروبيين المعادين للجزائريين. من هؤلاء المناضلين دايس الطيب، الذي كان ينشط في حي العقيبة رفقة ثلاثة من أصدقائه في سنوات الخمسينات. عاش مظاهرات 11 ديسمبر 1960، وشارك في بعض العمليات الفدائية تنفيذا لأوامر جبهة التحرير الوطني بالعاصمة. التفاصيل يعرضها الفدائي لـ «الشعب».
يروي لنا دايس الطيب كيفية التحاقه بصفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية لتحضير الثورة بعد مجيئه من ولاية الشلف إلى العاصمة رفقة شقيقه الأكبر سنة 1953، حيث طلب منه الالتحاق بجبهة التحرير الوطني، وأوكلت له مهام مراقبة الشرطة الفرنسية لتسهيل تنقل مسؤولي «الأفلان» والفدائيين، وإخفاء الأسلحة لتسليمها للمناضل المعني، كما كلّف بجمع الاشتراكات من المواطنين كمساهمة لدعم الثورة بعدما ألقي القبض على المناضل عبد القادر يعقوبي، الذي كان يملك محلا وهو بمثابة مكان لإخفاء الأسلحة والتواصل مع مناضلي جبهة التحرير بالعاصمة.
وأضاف دايس لـ «الشعب»: «كان عمري آنذاك 18 سنة، في أحد الأيام كنت متواجدا في قاعة السينما قرب حي لعقيبة لمشاهدة فيلم رفقة ثلاثة من أصدقائي، وبعد خروجنا وقعت مشادات بين جزائريين وعساكر فرنسا، واندلعت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 في حي بلكور، حيث قام أحد الجزائريين برفع العلم الوطني وهو متّجه للمصعد الالكتروني، وهي المرة الأولى التي أشاهد فيها العلم الجزائري، ثم اتجهت رفقة أصدقائي إلى حي ديار المحصول وساحة المدنية، وقمنا بوضع البراميل لسد الطريق على سيارات المستعمر، الذي ألقى القنابل المسيلة للدموع وأشهر سلاحه في وجه المتظاهرين، الذين كانوا يرددون عبارة «تحيا الجزائر»، كما قمنا بتكسير ممتلكات المعمّرين تعبيرا عن غضبنا للاعتداء الذي تعرض له أحد الشبان الجزائريين من طرف الأوروبيين الحاقدين».
وواصل دايس سرده للأحداث قائلا إنّ قيادة الأفلان حذّرت الجزائريين من دخول الأحياء الأوروبية كونهم كانوا يحملون الأسلحة وسينتقمون من المتظاهرين، فالتزم الجزائريون منازلهم كي لا يقعوا في مشادات مع المظليين وأبناء جلدتهم، وخوفا من أن ينكشف أمر المناضل دايس ويلقى عليه القبض من طرف الشرطة الفرنسية هرب إلى ولاية الشلف مسقط رأسه، وفي الطريق استوقفه المظليون وطلبوا منه إظهار الوثائق التي تثبت هويته، سألوه من أين أتى فأخبرهم أنا قادم من العاصمة فتم إطلاق سراحه ليواصل طريقه نحو الشلف عند زوج شقيقته.
عاد دايس بعدها إلى العاصمة، واشتغل لدى إحدى الأوربيات في العيادة لكنه غادرها بسبب الجرائم التي ارتكبتها المنظمة الإرهابية «لواس» في مدن العاصمة، التي كانت تطارد الجزائريين وتقتلهم ولم يسلم منها حتى أبناء جلدتهم، وقد راح ضحية هذه المنظمة الإرهابية أحد الطباخين، كما قامت المنظمة الإرهابية للجيش السري الفرنسي بتفجير قنبلة في حي لاكونكورد. ولم يفوّت المناضل الفرصة ليتحدّث عن معاناته الاجتماعية وعدم حصوله على حقوقه كبقية المجاهدين، خاصة مسكنا محترما في الجزائر الحرة المستقلة، على حد قوله.