ساهمت الجالية الجزائرية بالمهجر إبان حرب التحرير الوطني، مساهمة فعالة في دعم الثورة ماليا وعسكريا، من خلال جمع الاشتراكات والأموال التي بلغت 80 بالمائة من ميزانية الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كما قام المناضلون والمناضلات بعدة عمليات عسكرية استهدفت مراكز الشرطة الفرنسية والمصانع، أي فتح الجبهة الثانية على أرض العدو، وأشهر هذه العمليات عملية موريبان في 25 أوت 1958.
وحسب تقرير لجنة التنسيق والتنفيذ المنبثقة من جبهة التحرير الوطني، الصادر في العدد الـ 29 من جريدة “المجاهد” بتاريخ 27 سبتمبر 1958، أنه في ليلة 24 إلى 25 أوت 1958، قام فريق من الكومندوس الجزائريين بشن هجوم على بعض الأهداف الإستيراتيجية، خاصة العسكرية والاقتصادية الواقعة على التراب الفرنسي، استنادا لمخطط عسكري مدروس فاجأ الحكومة الفرنسية.
أسفرت الأعمال المسلحة التي قامت بها المنظمة الخاصة، بدءا من الساعة الصفر على التراب الفرنسي من 25 إلى 30 سبتمبر 1958، عن إتلاف 56 موقعا عسكريا واقتصاديا و242 هجوم و82 قتيل و188 جريح، مما دفع فرنسا إلى تجنيد عشرات الملايين من الرجال لحراسة عدد من النقاط الاستيراتيجية على أرضها، والقيام بـ 14 ألف عملية مراقبة في الأسبوع أسفرت عن إلقاء القبض على 306 شخصا في 28 أوت 1958، كما أصبح الإعلام الفرنسي في كل دقيقة يبث نشرية إخبارية عن وقوع الهجومات. وفي نفس اليوم أعلن فرحات عباس لجريدة “أسوسييتد براس” عن أن قرار نقل الحرب إلى التراب الفرنسي، اتخذ في اليوم الموالي من أحداث 13 ماي، وأعطيت الأوامر باحترام الأرواح البشرية.
وفي 1 سبتمبر 1958، أعلنت لجنة التنسيق والتنفيذ من صوت الجزائر الذي بث عبر إذاعة القاهرة، أنّ هجومات الأسبوع الأخير على خزانات البترول بفرنسا تمثّل فقط هجوم أولي في إطار، مخطط يرتكز على نقل الحرب إلى التراب الفرنسي من أجل تحرير الجزائر، وجبهة التحرير الوطني تأمر المناضلين بمكافحة العدو.
وضع خريطة تنظيمية للولاية السّابعة التّاريخية
وفي هذا السياق، وضعت اتحادية جبهة التحرير الوطني خريطة تنظيمية للولاية السابعة التاريخية، وقسّمتها إلى عدة مقاطعات وهي ولاية الشمال التي تضم مدينة ليل، ولاية الغرب (باريس)، ولاية الشرق (نانسي)، ولاية وسط شرق (ليون)، ولاية وسط غرب (بوردو)، ولاية جنوب شرق(مرسيليا)، ولاية جنوب غرب (تولوز).
وشبّه تقرير اللجنة ليلة 24 أوت 1958، بليلة الفاتح نوفمبر 1954، وبفضل عملية موريبان فتح فصل جديد من الكفاح المسلح للشعب الجزائري من أجل نيل استقلاله، لكن هذه المرة على أرض العدو، حيث كان تعداد المناضلين حوالي نصف مليون تجنّدوا للمشاركة في الكفاح المسلح تحت إدارة جبهة التحرير الوطني، كما أنّ أول هجوم لفرقة الكومندوس حدّدت الأهداف خاصة البترولية، لسببين هما ضرب مخازن النفط الموجهة لتزويد طائرات العدو، وثانيا تمديد نفس الحرب في الجزائر على التراب الفرنسي.
وأوضح ذات المصدر، أنّ جبهة التحرير الوطني وعدت بتدمير مخازن البترول بفرنسا ونفّذت وعدها بعد سنة، كما جدّدت تأكيدها على إرادتها باستعادة كل الاستثمارات التي استغلت ثروات الجزائر، بما فيها الصحراء.
وفي هذا الإطار، اعتبرت جبهة التحرير الوطني كل مساهمة أجنبية تحت شكل استثمارات لرؤوس الأموال أو وسائل أخرى، ما هي إلا فعل عدواني اتجاه الجزائر المكافحة، مضيفا أن تجديد القتال من طرف الكومندوس الجزائريين بفرنسا بعد وضع جهاز كبير من الأمن العسكري والشرطة، تظهر قدرة مناضلي الجبهة على توسيع الهجومات لأهداف أخرى.
وأشار تقرير لجنة التنسيق والتنفيذ إلى أن مبدأ الانتخاب الذي أقرته الإدارة الاستعمارية في الجزائر، ما هو إلا احتيال جديد للمكاتب النفسية للجيش الفرنسي، ولن ينخرط الشعب الجزائري في سياسة الاندماج، وأن ما أخذ بالقوة لن يسترجع إلا بالقوة.
وفي هذا الصدد، لفتت لجنة التنسيق والتنفيذ انتباه الرأي العام الفرنسي حول الطابع الاستيراتيجي لكفاح مناضلي جبهة التحرير الوطني، وأنّ اختيار الأهداف وطرق العمل المسلح تظهر رغبتهم في إبعاد المدنيين، مشيرة إلى أنها لا يمكنها نسيان المجازر التي ارتكبت في حق أكثر من 600 ألف جزائري بدون سلاح أغلبيتهم من النساء والأطفال، داعين الشعب الفرنسي للتفطن وعدم السير وراء حرب الجزائر التي تقودها الإدارة الاستعمارية.
وموازاة مع ذلك، أشادت لجنة التنسيق والتنفيذ بشهامة وشجاعة المناضلين والمناضلات مفخرة الجزائر، طالبة منهم مواصلة الكفاح ضد العدو، وإظهار للعالم أن القضية الجزائرية عادلة وأنّها سوف تنتصر.