جثة سي محمد تبقى لغزا
أحيت ولاية البليدة الذكرى 54 لاستشهاد العقيد سي الجيلالي بونعامة قائد الولاية الرابعة التاريخية لثورة التحرير، التي تصادف يوم 8 أوت من كل عام، وبالمناسبة احتضنت دار النعيمي التي يتواجد بها النصب التذكاري للشهيد، بحضور العائلة الثورية و وجوه تاريخية إلى جانب أفراد عائلة الفقيد، وقد رفع العلم الوطني تحت أنغام النشيد الوطني، وقراءة الفاتحة ووضع أكاليل من الزهور تحت النصب التذكاري الواقع بقلب مدينة البليدة.أشاد بعض رفقاء الشهيد بخصاله وتضحيته فداء للوطن.
ولد يوم 16 أفريل 1926 في قلب الونشريس مثالا يقتدى به في الوطنية والنضال والكفاح من أجل الاستقلال، أخلص لنشاطه الوطني منذ الصغر بعد أن عاش طفولته كغيره من الشباب الجزائري في الحرمان، وللظلم والقهر والاضطهاد والتعسف والفقر والمرض بسبب سياسة الاستعمار العدوانية.
تلقى دراسته الابتدائية إذ لا يحق لهم تجاوز المستوى الابتدائي وهو مخطط استعماري معروف.
اكتفى بالتعليم الابتدائي الذي تسمح به سلطة الاحتلال. ولما تفطن سي محمد للوضع انخرط في حركة انتصار الحريات الديمقراطية حي و تقلد بسرعة مسؤولية قسم.سمحت له هذه المهمة بالاتصال بمناضلي الأصنام ووهران والجزائر حيث كان ينتقل في مهامات الحزب ثم صار عضوا في المنظمة السرية.
كانت أجهزة الاستعمار تتبع حركاته وألقت عليه القبض وسجن لأول مرة وما إن أطلق صراحه حتى واصل كفاحه. ثم اتصل بعمال مناجم بوقايد حيث كانت شركة فرنسية بلجيكية تستغل منجم الرصاص، وتمكن من تجنيد العمال. وفي 1951 دبر إضرابا دام 5 أشهر.
كان سي محمد أحد المناضلين الطلائعيين الذين ناصروا فكرة الكفاح المسلح. لا يتسع المقام لذكر شخصية الشهيد القوية والتي من معالمها الترفع والشهامة والجد والصبر والاحتمال، والإرادة، والإصرار، والشجاعة والإقدام.
وحياة العقيد بلا مبالغة كلها مواقف، فهو متهلل الوجه رضي النفس، وكان يدفع المجاهدين بطاقة متأججة وبإيمان وعزم إلى المعركة وتميزت الثورة خلال فترة مسؤوليته بقوة تنظيمها السياسي والعسكري في الأرياف والمدن بل فرضت نفسها فوق التراب الفرنسي وداخل السجون واستكمال التنظيم الشعبي الذي أعطى للثورة الجزائرية خصائصها وقوتها المتجددة.
ورغم ذلك نجح في شهور قليلة من تجنيد مختلف أفواج المناضلين ضمن صفوف جيش التحرير الوطني.
ليرقى إلى رتبة ملازم عسكري في نهاية 1956 وراح يكوّن وحدات مقاتلة لمهاجمة الوحدات الفرنسية، وضرب تجمعاتها وقوافلها، فالعقيد سي محمد بونعامة ورفاقه من الذين سقت دماؤهم الزكية أرض الجزائر الطاهرة، و بفضل هؤلاء الذين عاشوا الثورة.
اكتسبوا كل الصفات الحميدة كحب الوطن، والشجاعة، فكانوا هم المخططين والمدبرين والشاهدين على التاريخ الذي لا ينسى بطولتهم، فلأرواحهم تحية التقدير والإجلال.
كان سي محمد من أولئك المجاهدين المحنكين الذين كانوا يترصدون العدو أينما حل وارتحل، لا يتوانون في توجيه الضربات الموجعة والقاضية.
ولا تخطئ هجوماتهم أهدافها، فكانت العمليات العسكرية تتوقف على ضرب أهداف العدو والهجومات على الثكنات ونصب الكمائن، وتوسيع دائرة الحرب وفضح سياسة المستعمر الفرنسي.
كان سي محمد يملك صفات عسكرية جعلت منه استراتجيا كبيرا، أبادت كتائب الكموندوس تحت قيادته عددا من وحدات العدو، كان يعتمد دائما على المفاجأة والسرعة في التنفيذ.
وأمام تحرشات العدو قام سي محمد وهو المحنك الفطن بتنظيم مصلحة قوية للتوعية، وكانت تغطي العاصمة وأهم المدن، توزع المناشير وتدعو إلى الالتفاف حول جبهة التحرير الوطني، ولتدعيم النظام وإعطاء أبعادا أخرى للكفاح.
اختار سي محمد البليدة لتنفيذ خططه حيث وضع مصالح المواصلات والتوعية والإخبار في صميم قلب متيجة انطلاقا من البليدة نظمت إضرابات ومظاهرات ضخمة شرعت في الانفجار من الشلف إلى الجزائر يتحدون الموت بصدورهم العارية.
كان الشهيد البطل منهمكا في العمل، يتحدى الموت، عندما فوجئ هو وبعض رفاقه في ليلة 8 أوت 1961 في مركز القيادة الموجود في قلب البليدة، بعدما علم العدو بتواجد سي محمد بالمكان الذي نزل به.
أرسل العدو بفرقة الكموندوس الخاصة فحاصرت المكان واشتعلت معركة بينها وبين سي محمد والمجاهدين الذين كانوا برفقته.
استشهد سي محمد والذين معه، وأعلنت مصالح الإعلام الفرنسي عن موت أسد الونشريس.
فكان سي محمد يوصف بأبي التنظيم، وكان شديد التأثير على المجاهدين الذين عرفوه فاحتفظوا له بصورة جميلة في قلوبهم وذاكرتهم.
ويبقى سي محمد لغزا آخر لا يزال يكتنفه الغموض، ورمزا من رموز كفاح هذا الشعب في سبيل الحرية والاستقلال.