قدّم المجاهد عمار ملاح في كتابه «قادة جيش التحرير الوطني الولاية الأولى، شهادته حول مخطط شال وعملية أحمر خدو بالولاية الأولى، باعتباره كان ضابطا في جيش التحرير بالولاية برتبة رائد، قائلا أن القيادة العسكرية الفرنسية أسندت في مارس 1961، مسؤولية التنظيم والإشراف على العمليات الكبرى المخططة في برنامج الجنرال شال إلى الجنرال «قامبياز»، الذي خلف الجنرال «كريبا» في 14 فيفري 1961، وبعد انتهائه من تطبيق البرنامج أعلن على انتهاء العمليات بالأوراس، وعن نتائجها من تحطيم هياكل النظام السياسي والقضاء على كتائب جيش التحرير الوطني التي بقيت في هذه المنطقة، مستعملا إطارات عسكرية ذوي خبرة عالية وعزيمة وقوات كبيرة مكونة، من اللواء 25 الذي يضم المظليين من اللفيف الأجنبي والمشاة، كما عزز اللواء بأسراب من الطائرات المختلفة والمروحيات وفرق المدفعية الخفيفة والثقيلة والدبابات والمصفحات.
وأضاف المؤلف أن قوات العدو، تمركزت في هذه المنطقة تحت قيادة الجنرال «قامبياز» مدة أسبوع كامل تحت غطاء من أسراب الطائرات من مختلف الأحجام والأنواع، ولم تسمع إلا إلى دوي القنابل والمدافع حتى تحولت إلى أرض محروقة بسبب القنابل التي ألقيت عليها.
أما المروحيات الصغيرة المصفحة فكانت تحلق على مستوى، منخفض لتبحث عن المجاهدين في الكهوف والأشجار من مكان إلى مكان آخر، وتطلق عليهم الرصاص بالرشاشات الثقيلة التي تحملها، في حين المروحيات من نوع «بنان» فهي تقوم بعمليات نقل وإنزال الفرق الخاصة بسلاحها طوال الليل لمحاصرة المجاهدين والهجوم على مواقعهم عند اكتشافهم.
الأوراس ومخطط شال 1959 - 1962
وفي هذا الصدد، أبرز المجاهد أنه في عهد الجمهورية الرابعة تحت رئاسة «روني كوتي»، قامت قيادة الأركان العامة للجيش الفرنسي ممثلة في قائدها العسكري العام الجنرال سلان والحاكم العام روبر لاكوست، بعمليات عسكرية مختلفة بالنسبة لمهامها، وقواتها وأهدافها المتمثلة في كسر شوكة جيش التحرير الوطني، ووقف انتشار الثورة المسلحة التي سارت بخطى ثابتة مع انتصارات ميدانية فوق أرض الوطن.
وسميت هذه العمليات المقتبسة من أسماء الأشهر والحروف الأبجدية، والحيوانات والنباتات والمعادن الثمينة: بفيرونيك، أميغا،...الخ وكان هدفها التهدئة، حيث كانت القوات الاستعمارية تقوم بتمشيط متواصل في مناطق محددة زمنيا وجغرافيا تعرف بالقطاع، وتعتمد في تنفيذ هذه العمليات على فرق محلية قارة في المركز بالمدن، والقرى بمشاركة العملاء والحركى معززة بقوات احتياطية تضم وحدات من المظليين واللفيف الأجنبي والكوماندوس، كل هذه العمليات تدعمها الدبابات ومدفعية الميدان والطائرات المختلفة والمروحيات المتنوعة، وفرق الهندسة لشق الطرقات في الجبال والأماكن الصعبة.
وأشار عمار ملاح إلى أن الجنرال ديغول تولى السلطة وتسيير فرنسا، وكان من بين قرارته الأولى التغيير في رجال السياسة بطاقم جديد، وكذلك بعث قيادة جديدة للقوات الفرنسية فأبعد الجنرال سلان عن قيادة الجيش وجيء في مكانه بالجنرال موريس شال، كما عين دولوفري مفوضا عاما للحكومة الفرنسية بالجزائر خلفا للاكوست صاحب الربع الساعة الأخير في الجزائر، حيث أعطيت كل الصلاحيات للجنرال «شال» لتقديم مخططه العسكري ووفرت له كل الوسائل الجهنمية من قوات برية وبحرية وجوية لتطبيق هذا المخطط فوق أرض الجزائر.
35 ألف عسكري معززين بالمروحيات
وكانت للولاية الأولى أربع عمليات يحملها هذا المخطط، وهي «إتانسال» في جويلية 1959، «تريدان» أفريل 1960، «أرياج» أكتوبر 1960، ثم أفلاميش، وقد خصص لهذه العمليات الكبرى اللواء 10 للمظليين، اللواء 25 للمظليين، اللواء 21 للمشاة، وفي أكتوبر 1960 عززت هذه القوات الهائلة بقوات إضافية تابعة للاحتياط العام، زيادة على القوات المتمركزة في المدن والقرى والحركى.
انطلقت العملية الأولى في جويلية 1959 على مساحة تقرب 2400 كلم مربع، بقوة 35 ألف عسكري معززين بالمروحيات المختلفة لنقل الفرق للتدخل السريع، وكان الهدف من هذه العملية قطع الاتصالات بين الولاية الأولى والثالثة والرابعة والسادسة، وتصفية قوات جيش التحرير الوطني المتمركزة بجبال الحضنة المنطقة الأولى الولاية الأولى، لكن صمود جيش التحرير جعل المواجهة حتمية مع العدو.
وأسفرت العملية عن خسائر معتبرة في صفوف جيش التحرير الوطني، وكذلك في قوات للعدو، ولكن لم تتوصل إلى تصفية الحضنة من مجاهدي الولاية الأولى، وجاءت العملية الثانية وكانت تحت اسم «تريدان» شرع فيها في أفريل 1960، وتشمل الأوراس والنمامشة وكان العدو يدرك تماما أنه لا يمكن أبدا القضاء على كتائب جيش التحرير الوطني في الولاية الصعبة.
أشرف الجنرال شال على كل العمليات التي برمجت في نطاق مخططه الذي سمي باسمه «مخطط شال»، لكن في الأخير لم يبلغ الأهداف المخططة، وفي أفريل 1960 كانت النهاية الحتمية لمهمته وعين مكانه الجنرال «كريبا»، واصل الجنرال «كريبا» تنفيذ مخطط شال للعمليات الكبرى في الأوراس فكانت العملية الأخرى سميت «أرياج» شرع في تطبيقها الجنرال «كريبا» وهو متأكد أنه سيهاجم ولاية من أصعب الولايات، وكانت الوحيدة التي بقيت كتائبها بتعدادها وتنظيمها رغم العمليات العسكرية، التي خاضها جيش التحرير منذ 1954 ضد الوحدات العسكرية للعدو.
وحسب شهادة المؤلف، فإن عملية أرياج انطلقت في أكتوبر 1960، بمشاركة اللوائين من المظليين واللفيف الأجنبي وعدة فيالق من الأسلحة الثقيلة والدبابات والمصفحات، وثلاث فيالق من الدبابات الخفيفة للمراقبة واقتحام الأماكن الوعرة و30 فرق من الهندسة، أما الطائرات فمنها نوع بـ26، المقنبلة وفرقة الاستطلاع وقد عززت القوات البرية بالطائرات المروحية وطائرات الكشف وغيرها، حيث أعد لهذه العمليات إمكانيات بشرية، ومادية ومعنوية وحتى إعلامية، كما أنشأ العدو فرق أطلق عليها اسم «كوماندو الصدام»، حيث تبقى هذه الوحدات متمركزة في الجبال لمدة زمنية بعد انسحاب القوات الضاربة.
وكان الجنرال «كريبا» يهدف من عملياته هذه مواصلة تطبيق مخطط شال للقضاء على البنية التحتية لجيش التحرير الوطني، وفصل النظام الثوري على هذا الشعب غير أن الأمل تبخر وصمد المجاهدون أمام هذه القوات، ودامت هذه العمليات من أكتوبر 1960 إلى ماي 1961، وكرد أمام هذه العمليات العسكرية أمرت قيادة جيش التحرير الوطني بحل الكتائب وبعث وحدات صغيرة وأفواج كوماندو في كل ناحية وتطبيق حرب العصابات الخاطفة، مع الهجوم على وحدات العدو خاصة القارة والمتمركزة في الغابات والجبال، كذلك نصب الكمائن وزرع الألغام والقيام بأعمال فدائية في المدن والقرى.
واجهت قوات العدو صعوبات جمة في ميدان القتال، ولم يتمكن قادة الحملة رغم المدة التي مكثتها هذه القوات في الأوراس من تحقيق كل أهدافهم المتمثل في فصل الثورة عن الشعب وإبادة كتائب المجاهدين، وفي هذا السياق، أكد عمار ملاح أن مخطط شال فشل في تحقيق أهدافه بالولاية الأولى لعدة أسباب منها صمود جنود جيش التحرير أمام هذه العمليات رغم التضحيات الجسام، كان للمخطط الذي طبقته قيادة الولاية الأولى في النواحي والمضاد لمخطط سال نتائج مرضية وعائقا للقوات الاستعمارية، مع نصب الكمائن في الأماكن التي تمر عليها قوافل العدو، حيث برهنوا للعدو أن المجاهدين موجودين في كل مكان وفي أي وقت.
علاوة على تكثيف العمليات الفدائية في المدن والقرى، خاصة في مدينتي سطيف وباتنة، كما واصلت وحدات جيش التحرير نشاطها الميداني تحت استيراتيجية حرب العصابات.