وداعــا الأستاذة زكيـة زهـرة ...
رحلت عنّا الأسبوع الماضي الأستاذة المحترمة والقديرة الدكتورة زكية زهرة، أستاذة بقسم التاريخ، فكم كانت الفاجعة أليمة حين سمعتُ بخبر وفاتك الذي نزل علينا كالصاعقة حين اتصلت بي إحدى الطالبات على الساعة الثانية عشرة ظهرا، تمنيت لو كان الخبر دعابة بالرغم من أن الموت ليس مزحة. حين تأكدت من الخبر كانت أمنيتي الوحيدة أن أراك للمرة الأخيرة قبل أن تدفنين والحمد لله شاهدت وجهك المبتسم.
تحسّرتُ وندمتُ كثيرا لأنّني لم أتصل بك قبل الرحيل للاستفسار عن أحوالك لأنني أعرف مدى احترامك وحبك لي، ولن أنسى تفهمك لغياباتي في بعض الأحيان بسبب طبيعة عملي الصحفي، وكنت دائما تشجّعينني، وتطلبين مني أن أحضر حصتك لتعلم اللغة العثمانية: (هي اللغة التركية القديمة التي كانت تكتب بالحروف العربية والفارسية)، لكن وللأسف مهنة المتاعب حرمتني من السؤال عنك وسماع صوتك لآخر مرة، فحال الموت المفاجئ دون ذلك.
كم كنت حريصة على تأدية واجبك في تلقين الطلبة العلم الصحيح، بكل أمانة وصرامة في التعامل مع تهاون بعض الطلبة حرصا منك على إعدادهم البحوث بمنهجية علمية، رافضة الرداءة، لكن في نفس الوقت كان طبعك حنونا إذا طلب منك المساعدة، فكم تربّت على يدك أجيالا .
أتذكّر يا أستاذتي المحترمة بل الصديقة، آخر كلمة قلتها لي «سهام الحمد لله سأموت وأنا مطمئنة، لأنك ستتذكّرينني وستكتبين عنّي مثلما كتبت عن المرحومة الدكتورة عائشة غطاس، والدكتور أبو القاسم سعد الله، فالله أرسلك إلى قسم التاريخ لتكتبي عن كل من غادرنا». لعلها الصدف أو القدر لذكر مناقب العظماء.
رحلتِ في سن الـ 57، وأنت في أوّج عطائك العلمي، وتركت بحوثك وطلبتك، لكنني سأبقى وفية لذكراك امتثالا لوصيتك لي، وداعا يا أنبل وقامة من قامات قسم التاريخ بجامعة الجزائر، سيبقى يوم 21 فيفري 2015 راسخا في ذهني ما حييت.
فبفقدانك فقدت الأسرة الجامعية أحد أعمدة العلم في تخصص التاريخ الحديث لا يمكن تعويضها، وما يؤسف هو أن أكفأ الأساتذة يموتون في صمت دون أن يلقوا الاهتمام الواسع مثلما يحظى به الباحث في الدول الغربية وجيراننا، وتبقى أعمالهم حبيسة المكتبات، فإلى متى يبقى الباحث الجزائري مهمّشا، فالأمم لا تنهض إلا بالعلم والعلماء.