ناضل في “البيبيا” واحتك بعلي ملاح وكريم بلقاسم

المسبل دوداح رابح..وهبت حياتي للثورة فقوبلت بالتهميش

بومرداس: ز/ كمال

عاد المناضل والمسبل الحاج رابح دوداح من قرية “أولاد علي “ببلدية شعبة العامر ببومرداس، ليستذكر التاريخ وحكايات البطولات في يوم الشهيد، فهو المناضل الذي انخرط في حزب الشعب الجزائري في عمر مبكر لم يتجاوز العشر سنوات، ثم انخرط مع الرعيل الأول للثورة كمسبل وسند خلفي للمجاهدين، عايش عن قرب قادة الثورة الكبار بالمنطقة كعلي ملاح، كريم بلقسام والكومندو سي لخضر، لكنه اليوم يعيش التهميش حتى من قبل الهيئات المهتمة بتسجيل الشهادات التاريخية للمجاهدين.
 
 من أبرز خصائص الثورة التحريرية المجيدة أنها كانت من الشعب وبين أحضانه، فهو الذي شكّل وقودها وعضدها القوي في اللحظات العصيبة التي مرت بها طيلة سبعة سنوات ونصف وتحققت معها نبوءة الشهيد البطل العربي بن مهيدي الذي قال يوما “ارموا بالثورة إلى الشارع يلتقطها الشعب”، وبالفعل التقطها أبناء الشعب الجزائري بكل شرائحه وأطيافه، كما كان للمرأة دور بارز فيها، وساهم البسطاء والفقراء بأغلى ما يملكون في سبيل إنجاح الثورة، كان أغلبهم مسبلين لم يحملوا السلاح، لكنهم شكلوا النواة الأولى لإمداد قادة الثورة بالمعلومات والإسناد اللوجيستي، وتنظيم شؤون المجتمع الصغير أو القرية وإدارة شؤونها باسم قوانين ونظام جبهة التحرير وجيش التحرير، أغلبهم بقوا في الظل واختاروا الانسحاب بسبب بعض الصعوبات الإدارية التي واجهتهم في نهاية المطاف.
وكمثال على هذه الفئة التي ناضلت في صمت، وعاشت كذلك يظهر المسبل “عمي رابح دوداح” المنحدر من منطقة شعبة العامر الذي حاول أن ينقل من خلال منبر جريدة “الشعب” أبرز المحطات النضالية التي بدأها مع حزب الشعب، ثم جبهة التحرير الوطني إلى غاية الاستقلال، رغم ذلك ظل طي النسيان وواجه العديد من العقبات لدى محاولته إيداع ملف الاعتراف والحصول على بطاقة العضوية بمديرية المجاهدين لبومرداس، فيقول عن مسيرته النضالية..” المسبل رابح دوداح من مواليد سنة 1935 بقرية أولاد علي بشعبة العامر، انخرطت وأنا طفل صغير مع حزب الشعب الجزائري لمصالي الحاج، كنا حينها نقوم بجمع الاشتراكات بمنطقة يسر، وقد كان مبلغ الاشتراك يقدر بـ20 فرانك، ثم 40 فرانك، وخلال اندلاع الثورة التحريرية انخرطت في صفوف الجبهة كمسبل أقوم بمهمة جمع المعلومات والاشتراكات، نقل الرسائل من منطقة إلى أخرى لفائدة جيش التحرير، من قرية بني خلفون حتى منطقة بوزقزة التي كانت تحت قيادة القائد العظيم سي لخضر، وبعد اشتداد الضغظ على الثورة بداية من سنة 1957 وبداية إنشاء المحتشدات من قبل السلطات الاستعمارية ومنها محتشد قرية أولاد علي، أوكلت إلي مهمة توزيع المواد الغذائية والألبسة على كازمات المجاهدين، وجمع الاشتراك بالإضافة إلى توزيع أموال أرامل الشهداء بعد إعداد القائمة التي كنت أقدمها بنفسي..”
دموع الحزن والأسى على كريم بلقاسم وسي لخضر..

حاولنا خلال جلستنا مع عمي رابح دوداح أن نستدرجه للحديث عن أهم اللحظات التي عاشها خلال الثورة، وكيف كان احتكاكه مع الزعماء الكبار للمنطقة ككريم بلقاسم، علي ملاح وسر تردد الكومندو سي لخضر على قرية أولاد علي فيرد بعد برهة لكن بدموع الحزن والحسرة، ..”أنا لا أزال أتذكر مديح نسوة القرية وفتياتها الصغار مديح “سي لخضر بجنودو فارح، يقتل ويذبح عسكر هاربا بلا نظام”، المجاهد الكبير سي لخضر كان يزور باستمرار عمته التي تسكن بقرية أولاد علي، في أغلب الأوقات كان بلباس مدني وهو برنوس أحمر للتمويه حتى لا يكتشف أمره من قبل المستعمر ومستخبريه، ونفس الأمر بالنسبة للقائد كريم بلقاسم الذي زار القرية حوالي ثلاثة مرات لكن لا أحد كان يعلم بزيارته إلا المقربون، حيث كانت هناك خمس قرى يتردد عليها هي ماتوسة وأولاد علي بشعبة العامر، تلامهدي، بني خليفة وبوقري ببني عمران، نظرا لوجود مناضلين أوفياء للثورة ومستعدين لتقديم أرواحهم في سبيل

قادتها الكبار، كما كان أيضا القائد علي ملاح المنحدر من بلدية ذراع الميزان يتردد هو الآخر كثيرا على المنطقة رفقة كريم بلقاسم رحمهم الله..”.
وفي سؤال عن وضعه الحالي وسبب عدم الاعتراف له بكل هذه المسيرة النضالية من قبل وزارة المجاهدين، كشف عمي رابح بالقول” لقد قمت مع بداية الاستقلال وبالضبط سنة 1963 بإعداد ملف للحصول على العضوية وبطاقة المجاهد لكني واجهت مشاكل الإمضاءات، حيث قام مجاهدين اثنين بالإمضاء، أما الثالث وهو معروف بالمنطقة وعملنا سويا، فقد حاول الحصول على مقابل مادي للإمضاء فرفضت الفكرة وبقيت أنتظر، إلى غاية فترة حكم الرئيس الشاذلي بن جديد، حيث قمت بإعداد ملف ثان بعد منحي الإمضاءات، ثم إيداعه بمديرية المجاهدين لبومرداس على مرتين لكن لحد الساعة لم أتلق أي رد، بل أكثر من هذا بقيت أتنقل بين المديرية و وزارة المجاهدين لفترة طويلة ثم انسحبت في الأخير، رغم ظروفي الاجتماعية والصحية الصعبة التي أعيشها اليوم وبدخل لا يتجاوز 15 ألف دينار خاص بالتقاعد لإعالة عائلة من 11 فرد..”.
هي حالة من عدة حالات منسية، حاولنا بمناسبة اليوم الوطني للشهيد أن نسلط عليها الضوء، ونعرّف بها وبنضالها الطويل، ليس من باب رد الاعتراف المادي فقط، بل باعتبارها جزء مهما من ذاكرتنا الوطنية الشفهية المهددة بالرحيل، وعليه كان من الواجب على الباحثين المهتمين بالكتابات التاريخية بما فيها مؤسسة الولاية الرابعة التاريخية التي يترأسها يوسف الخطيب، أن توجه اهتمامها نحو مثل هذه الشخصيات التاريخية التي تعيش في الظل ومحاولة الاستفادة منها لفهم جانب مهم من التاريخ الوطني.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024