يعد المجاهد الفقيد عبد الحفيظ بوصوف، من بين المناضلين الأشاوس الذين التحقوا بالجبال للكفاح ضد المستعمر الغاشم، ومن بين القادة المحنكين سياسيا وعسكريا الذين نجحوا في تأطير مناضلي جبهة وجيش التحرير الوطنيين. فهو أب الإستعلامات الجزائرية كونه كان السباق لوضع لبنة هذا الجهاز الذي لعب دورا كبيرا في نجاح الثورة.
ولد عبد الحفيظ بوصوف في مدينة ميلة بحي ''الكوف'' كانت عائلته الفقيرة تمتهن الفلاحة. التحق بوصوف بالمدرسة الفرنسية في سن الثمانية سنوات تقريبا، حيث زاول دراسته فيها وتحصل على الشهادة الابتدائية. انخرط في صفوف حزب الشعب بمدينة ميلة وأسس بها خلايا تضم مجموعة كبيرة من مناضلي المدينة ومنهم لخضر بن طوبال و عنان دراجي، كان بوصوف يجتمع بالمناضلين بمنزله، الذي كان ملجأ لمختلف الوجوه الثورية والسياسية التي فجرت ثورة ١٩٥٤ .
في عام ١٩٤٤ سافر إلى قسنطينة للعمل في غسالة كانت ملكا لأحد المعمرين، عند انضمامه في حزب الشعب الجزائري بقسنطينة أين تعرف على محمد بوضياف والعربي بن مهيدي وبن طوبال وغيرهم . وعند اندلاع الثورة الجزائرية عين نائبا للعربي بن مهيدي بالمنطقة الخامسة وهران، مكلفّا بناحية تلمسان. و في عام ١٩٥٠ تحوّل إلى العمل السري أولا في مدينة سكيكدة، ثم في منطقة وهران، حيث لم يكن معروفا لدى المصالح الفرنسية ولا ملاحقا من طرفها.
وبعد مؤتمر الصومام أصبح عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، حيث عين وزير للاتصالات العامة والتسليح في الحكومة المؤقتة، وقد أسس جهاز الإستعلامات الجزائرية عام ١٩٥٧ ولعب دورا كبيرا في تكوين إطارات في هذا المجال بأب الاستعلامات .
لقد استطاع جمع ٨ مليارات فرنك فرنسي قديم في عهد الثورة الجزائرية بفضل حنكته ودهائه،وهناك إحدى عملياته البارعة إذ أنه كشف أحد عملاء المخابرات الأمريكية بالجزائر إبان الثورة، وبعد استنطاقه تحصل منه على معلومات مهمة تتعلق ببعض الوزراء العرب العملاء لهذه الوكالة، فأخبر حكوماتهم العربية بذلك وتأكدت من صحة هذه المعلومات بعد تحقيقاتها حول الأشخاص المشار إليهم.
أما قصة ''السكرتيرة'' في الناتو فهي واحدة من العمليات الناجحة لجهاز الاستعلامات الجزائرية في وقت الثورة تمثلت في تجنيد سكرتيرة فاتنة تعمل لدى جنرال كبير في حلف الناتو للقيام بتجنيده، وقد كان الهدف إيصال أجهزة اتصال حديثة لجهاز الإشارة لجيش التحرير الوطني الجزائري بهدف الاتصال بين الوحدات، وقد تمكن رجال عبد الحفيظ بوصوف من الحصول على الأجهزة. وفي العديد من المرات التجسس على الاتصالات بين الوحدات الفرنسية واكتشاف الكثير من أسرار الجيش الفرنسي هذه العملية تمت بعد عملية السفينة اليونانية وإعدام اليوناني الخائن.
أسس عبد الحفيظ جهاز مخابرات قوي للثورة، كما أنه استطاع تجنيد بعض الوزراء في الحكومة الفرنسية لصالح ثورة الجزائر، من بينهم ''ميشال دوبري'' الذي كان رئيس الوزراء في حكومة شارل ديغول، ووزير الاقتصاد فوركاد ووزير الفلاحة إيدغار بيزاني وشخصيات أخرى لها صلة بالحكومة. وأوناسيس المليونير اليوناني الذي تزوج فيما بعد بأرملة الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي.
توفي عبد الحفيظ بوصوف في ٣١ ديسمبر ١٩٨٠ في باريس بفرنسا إثر إصابته بنوبة قلبية مفاجئة، وخصصت الحكومة الجزائرية طائرة خاصة لنقل جثمانه إلى أرض الوطن.