كان أذكى قائد ثوري، قدّم تضحيات إبّان حرب التّحرير الوطني رغم قصر مدّتها كانت ثرية جدا.
إنّه الشّهيد عبان رمضان المولود بقرية «عزوزة» بالأربعاء ناث إيراثن بولاية تيزي وزو، بتاريخ الـ 10 جوان 1920، ينحدر من عائلة ميسورة الحال، مكّنها وضعها من توفير فرص الدراسة، وفّر له والده سبل التعلم واكتساب المعرفة حتى وصل إلى مرحلة التّعليم الثانوي.
درس فترة بثانوية تيزي وزو، قبل انتقاله إلى ثانوية البليدة (ابن رشد حاليا)، أكمل فيها دراسته حتى تحصّل على شهادة البكالوريا في مادة الرياضيات عام 1941، هذه الشّعبة التي لم يكن يوجّه إليها عادة الطّلبة الجزائريون، ولكن رمضان عبان فرض ذلك باجتهاده وذكائه وإصرار والده.
ولما ساءت أحوال العائلة ماديا بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، سافر شقيقه إلى فرنسا بحثا عن العمل، وانقطع هو كذلك عن الدّراسة لمساعدة العائلة، غير أنّ الإدارة الفرنسية جنّدته لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية عام 1943، وألحقته بإحدى الثكنات بتيزي وزو التي نقل منها إلى ثكنة البليدة عقابا له على تمرّده على النّظام العسكري، حيث ارتدى مرة البرنوس فوق البدلة العسكرية، الأمر الذي لا يقبله النّظام المتّبع في الثّكنة وخلال الدّراسة. وفي فترة أدائه الخدمة العسكرية بالبليدة تعرّف على عدد من الشّخصيات الوطنية، التي كان لها صيت كبير في تاريخ الثورة التحريرية.
بعد هجرة أخيه الأكبر إلى فرنسا، سعى أبوه للحصول على منصب عمل فتحصّل على وظيفة كاتب عام ببلدية «شاطودان» بشلغوم العيد ولاية ميلة، ولكن بعد أن اكتشفت السّلطات الفرنسية أن له علاقة بالنّشاط السياسي، وصلة بمناضلي حركة الانتصار للحريات الديمقراطية عزلته عن منصبه، فتفرّغ للنّضال السياسي في صفوف الحركة. وبفضل نشاطه الدّؤوب في النّضال ارتقى في سلم المسؤوليات داخل صفوف الحركة، واستمر في نضاله تحت مظلة الحركة، فكان يمارس نشاطاته السياسية متنقّلا عبر التراب الوطني.
وكانت السّلطات الفرنسية تطارده حيثما حلّ وارتحل، واستمرت في ذلك إلى أن ألقت القبض عليه إثر إشرافه على اجتماع لإحدى خلايا الحركة بناحية عين تيموشنت وقدّمته للمحاكمة، فحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات نافذة، مع غرامة مالية باهظة. وفي عام 1950 زجّ به في السّجن بالجزائر، ثم نقل إلى فرنسا ثم أعيد إلى العاصمة مرة أخرى، لقضاء ما تبقى له من العقوبة في سجن الحراش.
عاملته السلطات الفرنسية في السجن معاملة المجرمين، فرفض ذلك لأنّه كان متعلّما يعرف حقوق السّجين السياسي، فلجأ إلى استعمال وسيلة التعبير المتاحة له، ألا وهي الإضراب عن الطعام، فاستخدمها للتّعبير عن رفضه المعاملة التي كان يعامل بها واستمر في إضرابه لمدة تفوق الشهر، حتى حصل على مطلبه، فاستغلّ هذا الحق في المطالعة لمعرفة ما كان يجري خارج أسوار السّجن، من خلال قراءة الجرائد والكتب، التي انكبّ عليها بنهم كبير فتفتّح ذهنه وتوسّعت مداركه، من خلال اطّلاعه على ما كان يجري في العالم الخارجي.
شعوب تكافح في سبيل الحرية وشخصيات مستنيرة يسمع صوتها عبر المحافل الدولية، وتنقل الصحف تصريحاتها فانعكس ذلك على بلورة أفكاره. وبعد خروج عبان من السجن سنة 1955 عاد إلى مسقط رأسه، اتّصلت به قيادة المنطقة الثالثة وعرضت عليه الانضمام إلى الثورة، فرحّب بالفكرة دون تردّد، حيث كلّف بالالتحاق بالعاصمة لتأطير النّشاط الثّوري بها، وهناك أجرى عدة اتّصالات مع المنظمات والجمعيات والشّخصيات المختلفة فاستطاع إقناعها بالانضمام إلى جبهة التّحرير الوطني. وبعد عامين من اندلاع الثورة انعقد مؤتمر الصومام الذي جمع أغلب قادة الثورة لتقييم نتائج الثورة المسلحة، وتنسيق الجهود في الداخل والخارج، على ضوء الأحداث المستجدّة على أرض المعركة فكان عبان من أبرز المشاركين فيه.
ومن بين النّتائج التي توصّل إليها المؤتمر إحداث لجنة التنسيق والتنفيذ، وكان عبان من بين أعضائها إلى جانب محمد العربي بن المهيدي، سعد دحلب، بن يوسف بن خدة وكريم بلقاسم، وخلال أداء عبان وظيفته ببلدية شاطودان تعرّف على معلم من المدارس الحرة هناك، وقرّرا تأليف نشيد وطني يمجّد الثورة ويخلد بطولاتها، فتمّ الاتصال بالشّاعر مفدي زكرياء الذي حقّق الرّغبة في ظرف قصير.
ولما اطّلع عبان وبقية المناضلين على النّشيد استحسنوه، وكلّفوا الشّاعر بالبحث عمّن يلحّنه، وفي الأخير وقع الاختيار على الموسيقار المصري محمد فوزي، وبعد معركة الجزائر أجبر أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ على مغادرة الجزائر عام 1957، متوجّهين نحو الدول الشّقيقة والصّديقة عبر تونس والمغرب لمواصلة مهامهم النّضالية. وفي عام 1958، نشرت جريدة «المجاهد» خبر استشهاده في 27 ديسمبر 1957، على الحدود المغربية الجزائرية.
قدّم تضحيات إبّان الثّورة
عبان رمضان أبرز أعضاء لجنة التّنسيق والتّنفيذ
شوهد:5190 مرة