وصف بشير مديني، باحث في تاريخ الحركة الوطنية بجامعة الجزائر، مطالبة الأقدام السوداء باسترجاع أملاكهم في الجزائر وبالمقابل تعويض ضحايا التجارب النووية، بالأمر غريب جدا قائلا: إنه لو نظرنا إلى الصورة من ناحية أخرى فوجه الغرابة لا نجده من فرنسا، لأن هذه هي مطالبها الغريبة خلال سنوات خلت.
وأضاف مديني في حديث خصّ به جريدة «الشعب» أنه، يجب الاتفاق على مسألة مبدئية وهي أن هذه الأرض ليست أرضهم، ليطالبوا باستردادها، بل هي أرض آباءنا وأجدادنا، قبل عام 1830 كانت أرضا جزائرية، وهم عبارة عن أناس سيطروا على هذه الأرض واستوطنوها واستعبدونا طوال 132 سنة.
وأوضح في هذا الإطار، أن القول اليوم باسترداد هذه الممتلكات هو مساس بشخصيتنا وقيمنا وتاريخنا، وحسبه أن عملية التعويض هي مسألة لا قانون لها ولا أخلاق لها، ولا قيم ولا مبادئ لها، قائلا: إن قضية المقايضة هي أمر يبدو غريبا، فكيف نقايض أناس استعملتهم الإدارة الاستعمارية كفئران تجارب في يوم ما.
وأضاف الباحث في تاريخ الحركة الوطنية، أن هذه العملية لا نسميها تجارب وإنما نسميها مجازر نووية، ارتكبتها فرنسا في هذه المرحلة من التاريخ، والأمر الغريب كذلك أن فرنسا عوضت أولئك الذين ارتكبت في حقهم هذه التجارب في موروروة، وفي المناطق التي قامت بها بالتجارب النووية، بينما بالنسبة إلينا كجزائريين مازالت هذه السلطة الاستعمارية التي تبقى استعمار مهما حصل، تحاول اليوم أن توازي بين الضحية والجلاد أي بين أولئك الذين استعملوا كفئران تجارب في 13 فيفري 1960، وبين التجارب الأخرى اللاحقة.
وقال الباحث أيضا أن هذا الأمر لا يجب أن نعيره الكثير من الاهتمام، لأن المطالبة والمقايضة بهذه الطريقة هي غير محترمة وتخالف المبادئ وقيم القانون الدولي، ومبادئ حقوق الإنسان.
وفي رده عن سؤالنا حول الأطراف المنادية بهذا المطلب، قال الباحث في تاريخ الحركة الوطنية أنه يعتقد أن هذه المسألة عبارة عن صراع سياسي، داخل السلطة الفرنسية ذاتها بين اليمين المتطرف الذي بدأنا نشاهد له تواجدا كبيرا في الساحة السياسية، والممثل بمارين لوبان ابنة الجلاد جون ماري لوبان، الذين يدعون لهذا الطرح وآخرون الذين ساروا في نفس الطرح، ولم يستبعد محدثنا أن يكون أبناء المعمرين وحفدتهم، ومن سار في فلكهم من أبناء الحركى، والقياد، والباشاغات يسيرون في هذه المطالب، مشيرا إلى أن المسألة تتعلق بالابتزاز وليست مسألة مقايضة.
وبالمقابل، تأسف مديني عن أن الجزائريين دائما في موقع الدفاع لا يملكون الهجوم، فالفرنسيون أصدروا في 23 فيفري 2005 قانونا يمجد الاستعمار بشمال إفريقيا، ويبيض صورته بينما نحن لم نتمكن إلى اليوم من إصدار قانون يتعلق بتجريم الاستعمار، قائلا: «نحن الذين فتحنا لهم هذا المجال، لكي يخرجوا في كل مرة بمطلب من هذا النوع».
وعن دور مثقفينا في الرد عن هؤلاء الغلاة، قال الأستاذ الجامعي، إن المثقفين الجزائريين يملكون التبليغ، والتحذير، والتنبيه، لمثل هذه القضايا، ولكن أيضا يجب أن يكون هناك قرار سياسي، ودراسات وقراءات يجب أن تطرح وهي موجودة في الحقيقة، أضاف يقول.