منذ أن استعادت الجزائر سيادتها الوطنية في 5 جويلية 1962، شرعت الدولة في معركة جديدة عنوانها «التشييد والبناء»، وكانت قسنطينة، التي خرجت مثقلة بجراح الاستعمار، من بين الولايات التي شملها التغيير العميق في بنيتها العمرانية.
المجاهد «الطيب منايفي»، أحد أبناء المدينة الذين عايشوا بدايات الاستقلال، يسترجع في حديثه لـ»الشّعب»، مشاهد قسنطينة القديمة، حين كانت السكنات الهشة تملأ المشهد، قائلا «كنّا نعيش في أحياء ضيقة، بيوت متلاصقة من القصدير والطوب، لا كهرباء ولا صرف صحي، مجرّد بقايا استعمارية لا تليق بكرامة الإنسان».
مضيفا أنه «بعد الاستقلال، بدأت الدولة في خطوات جريئة لإعادة إعمار البلاد، في قسنطينة، ظهرت أولى الأحياء الجديدة في السبعينيات، ثم جاء مشروع علي منجلي ليشكّل نقطة تحوّل عمراني كبير»، فقد تحوّلت علي منجلي، التي كانت مجرّد امتداد صحراوي، إلى مدينة جديدة بكل مقومات الحياة، تضم سكنات اجتماعية وترقوية، جامعات، مستشفيات، محطات نقل، ومناطق نشاط تجاري، ما جعلها قطبًا عمرانيًا قائما بذاته يخدم التنمية المحلية. ويعتبر «الطيب منايفي» أنّ هذا التحوّل لم يكن شكليًا، بل يعكس رؤية استراتيجية للدولة تهدف إلى إعادة توزيع السكان وتوفير ظروف عيش كريم للمواطن، خاصة مع الارتفاع الديمغرافي الكبير.
وفي حديثه، لا يُخفي المجاهد تأثره بما تحقّق من منجزات، قائلاً: «ما أنجز منذ 1963 إلى اليوم ليس بالقليل... كنا نحلم بسقف يؤوينا، واليوم نرى مدنًا تُبنى وفق معايير حديثة، فيها المدارس والمرافق، وهذا بفضل الإرادة السياسية والوفاء لرسالة الشهداء»، مشيرا إلى أهمية خلق مدن جديدة تواكب متطلبات العصر، وتكون منصات لانطلاقة اقتصادية محلية، وليس فقط مجرّد تجمّعات سكنية.
بين قسنطينة الأمس واليوم، مسافة عمرانية وإنسانية طويلة، رسمت ملامحها أجيال متعاقبة من الجزائريّين، ولا يزال التحدي قائما، فمع كل توسّع حضري، تُطرح تساؤلات جديدة حول استدامة المدن، وضرورة ربط العمران بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإذ تحيي الجزائر الذكرى 63 للاستقلال، فإنّ المدن التي شُيّدت بسواعد أبنائها تظل شاهدة على تضحيات الأمس وطموحات الغد.
