احتضنت المرأة لاسيما الريفية والطفل الثورة، وقدّما تضحيات جسام، لكنهما لحد الآن لم يأخذا حقّهما من الكتابات التاريخية أو الأعمال السينمائية التي تخلّد كل تلك التضحيات.
هذا ما أكّده المؤرّخ عمار بلخوجة في حديث خص به جريدة “الشعب”، مضيفا أنّ الطفل الجزائري عايش كل أحداث الثورة وانسجم معها، بحكم أنّه كان يشاهد أحد أفراد عائلته منخرطا في العمل الفدائي، أو زجّ به في سجون المستعمر أين عذّب بأبشع الوسائل، مما لا يجعله (الطفل) غائبا عن الثورة.
وأشار بلخوجة في هذا السياق، إلى أنّ الطفل الجزائري لم يسلم من التعذيب الذي مارسته الإدارة الاستعمارية، وجعلته مؤسسة قائمة بخبرائها وجلاّديها، قائلا: “الطفل الذي أصبح اليوم كبيرا يتساءل لماذا لم يؤلف كتب عني؟ كونه كان عضوا فعال مدمج في الثورة”، مبرزا الشجاعة التي كان يتحلى بها الطفل الجزائري الذي كان وطنيا حتى النخاع ولا يخاف من الموت، حيث لعب دورا مهما في كل الأحداث التي حصلت عبر كل القطر الوطني.
وفي هذا الصدد، فقد قام الباحث بتأليف كتب عن فتاة تقطن بوسماعيل تدعى
«نادية خوجة” ذات الـ 12 سنة، والتي حملت العلم في مظاهرات كبرى بتاريخ الـ 5 جويلية 1961، وكان مصيرها أن قتلها الفرنسيون، ونفس المصير لقيته “صليحة وثيقي” في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 بالمدنية.
وفي هذه النقطة، نوّه محدثنا بمبادرة الروائية سهيلة عميرات التي كتبت عن “عمر الصغير”، ونشاط أطفال القصبة، قائلا: “أنا أشكر هذه السيدة على عملها الذي يستحق التّشجيع”.
ويرى المؤرخ ضرورة تدعيم السينما والمسرح لهذه الفكرة، وإخراج الطفل من دائرة النسيان، كونه لم يأخذ حقه حتى من الكتابات التاريخية التي تمجد بطولاته على حد قوله، مشيرا إلى أنه كان دائما يمجّد الطفل والمرأة في كتاباته، كاشفا في ذات الشّأن عن إصدار مؤلف عن واضعة القنابل باية حسين التي حكم عليها بالإعدام وهي لم تتجاوز الـ 16 سنة وذلك خلال شهر.
وحسبه، فإنّ باية حسين التي تمثل نضال الفتاة الجزائرية حتى بعد الاستقلال، سقطت هي الأخرى في دائرة النسيان، ودعا بلخوجة في هذا المضمار إلى تخليد أمّ الشهيد التي عانت وأعطت للجزائر أبطالا في ريعان شبابهم ما زال التاريخ يذكرهم، وإظهار كل ما قدّمه الشعب الجزائري إبان الحقبة الاستعمارية من تضحيات لتغذية ذاكرة الأجيال.
وبالموازاة مع ذلك، أشاد بالدور الذي لعبته الشخصيات الإعلامية خلال حرب التحرير الوطني والتي كتب عنها، كالصحافي المشهور حليم مقداد، ومحمد بن سالم الذي كان يهاجم الإقطاع والفرنسيين.
بالإضافة إلى أنه كتب عن المجرم أندري أشيري رئيس بلدية قالمة الذي قام بتسليح المعمرين لقتل الجزائريين، وتحدث المؤرخ أيضا عن “فاطمة الزهراء رقي”، التي يسميها أبناء قالمة بالشهيدة المنسية التي قتل الفرنسيون شقيقيها، وحين ذهبت لتشكي تمّ خطفها من قبل المليشيات وتعذيبها لمدة
خمسة عشرة يوما ثم قتلت في الثامن ماي 1945.
وللعلم، فإنّ أهم فترة تعنى باهتمام الباحث بلخوجة، هي الفترة الممتدة من مقاومة الأمير عبد القادر إلى الثورة المسلّحة، لكن يعترضه أحيانا مشكل نقص الأرشيف التاريخي الذي يساعده على التّأريخ.