مـــــنـــــزل الـــــعــــائـــــلـــــة كـــــان مـــــــلـــــجـــــأ لـــــقـــــيــــــادات الحـــــــركـــــــة الـــــــــــوطــــــنــــــيـــــــــة
عائلة ملزي، أو مزي مثلما يسميها البعض بالعاصمة من أوائل العائلات الجزائرية، التي قدّمت أبناءها فداء للجزائر.
قدّمت شهيدين وثلاث مناضلين حكم عليهم بالإعدام من طرف الاستعمار الفرنسي، وهم شفيق ملزي، الذي أعدم بالمقصلة، يوم 9 أكتوبر 1957 بسجن سركاجي، والذي جمع بين النشاط الكشفي والعمل النضالي في الحركة الوطنية، ويوسف ملزي الذي استشهد عام 1958، في الحدود الغربية والسلاح في يده.
التاريخ النضالي لعائلة ملزي، حافل ببطولات وتضحيات أبنائها من أجل استرجاع سيادة الجزائر، الذين انضمّوا للحركة الوطنية في سنّ مبكّرة، وعانوا التعذيب في سجون الاحتلال الفرنسي.
كان منزل العائلة ملجأ لبعض قيادات الحركة الوطنية منهم ديدوش مراد، ومحمد بوضياف، حيث انعقدت فيه اجتماعات سرية هامّة.
يروي الفدائي والمجاهد صالح ملزي، المولود في 10 فيفري 1936، لـ«الشعب”، أنّ أول فوج كشفي حمل اسم “فوج الكفاح” لموسم 1946-1947، تأسّس في منزلهم الذي كان متواجدا بشارع لامادلين بالأبيار، على يد شقيقه الشهيد شفيق ملزي، الذي كان في اتصال مع فيدرالية الكشافة الإسلامية الجزائرية.
ويشير في شهادته إلى أنّ شقيقه كان مسؤولا عن المنظمة الخاصّة بالأبيار وضواحيها وعمل على تكوين مجموعات الفدائيين، الذين كان من ضمن أفرادها المجاهدين أعمر بريك وعلي ضياف.
يروي المجاهد صالح، كيف كان المظليون يقتحمون منزلهم للبحث عن شقيقه يوسف، ووالده يؤكّد لهم بأنّ ابنه الصغير في الجيش، فقدّموا التحية، لكن رجعوا في اليوم الموالي بعدما تأكّدوا أنّ ما قاله والده ليس صحيحا، وشاهدوا صورة شقيقه معلّقة على الحائط، فألقوا بها أرضا، وكسروا إطار الصورة وأخذوا والده بعد ضربه، ثم أطلق سراحه بتوصية.
يقول صالح ملزي:« منزلنا كان مخبأ لمسؤولي الثورة قبل اندلاعها وهم مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، حاج بلقاسم زناي المدعو البيضاوي، العربي التبسي، محمد بوضياف، مراد ديدوش وغيرهم”.
وعن مجريات محاكمة شقيقه يقول المجاهد صالح: “سأل القاضي أخي هل أنتم ضدّ فرنسا؟، فردّ شفيق، لا نحن ضدّ الاستعمار الظالم، فقال القاضي: “العرب أيضا مستعمرون بقوا في إسبانيا سبعة قرون، فقال شقيقي: وهل خرجوا؟ فردّ القاضي: نعم طردوهم فردّ شفيق: فرنسا أيضا ستخرج بركلة (مطرودة)، فقال القاضي: كيف يمكن لمناضلين إخراج جيش منظّم وقويّ، فردّ عليه شفيق: “ننصب كمائن ونقتل جنودكم ونسترجع أسلحتهم والتي بها نقتل جنودا آخرين، فقال له القاضي:« أرى أنّ لديك الكثير من الشجاعة وابتسامة عريضة على شفتيك، عندما تتحدّث، أتمنى أن تكون لك الابتسامة نفسها يوم إعدامك.”
وحسب شهادة المجاهد صالح، فإنّ شقيقه يوم إعدامه تقدّم إلى المقصلة مرفوع الرأس شامخا غير آبه بالموت من أجل حرية بلده.
في حديثه، يروى صالح ملزي، الظروف القاسية التي عاشها رفقة زملائه في سجن سركاجي، حيث كان يحشر حوالي ثلاث مناضلين في زنزانة صغيرة، تعرّضوا خلال فترة سجنهم لحرب نفسية، كانوا يسمعون كلّ ليلة أقدام حراس السجن قادمين لأخذ رفيق لهم لإعدامه، حيث كانت تنفّذ الإعدامات في الفجر، وكانت المقصلة تنتقل بين الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، لتنفيذ الإعدامات في حقّ المناضلين الجزائريين.
يقول:« كنّا نحدث ضجيجا بالطرق على الحنفيات باستعمال الملاعق، لإزعاجهم وكي لا نسمح لهم بأخذ أحد رفقائنا للمقصلة، وكنا نعاقب حيث وضعت في زنزانة انفرادية ضيّقة جدّا لا تسمح لي بالنوم وبقيت على هذا الحال مدّة شهر خرجت معوج الظهر نظرا للوضعية التي كنت جالسا بها، وهذا من بين أساليب التعذيب التي كانت تمارسها الإدارة الاستعمارية في حقّنا”.
يروي لنا هذا الفدائي، كيف تعلّم القراءة والكتابة في السجن على يد مناضلين وحفظ 60 حزبا من القرآن الكريم، بعدما كان لا يفقه شيئا بسبب الإدارة الاستعمارية التي حرمته من التعلّم كبقية الجزائرية، ويؤكّد أنّ السجن كان بالنسبة للمناضلين مدرسة لتعلّم النضال والقراءة والكتابة.
ويضيف:« كنت أنتمي إلى مجموعة الصدمات مكلّفة بتنسيق العمليات وسط العاصمة وفي ضواحي الأبيار، في تلك الفترة لم نكن نملك الأسلحة لمواجهة الشرطة الفرنسية، وكان هناك 26 فدائيا ينتمون إلى فرقة الصدمات مكلّفة بالعمليات الفدائية في العاصمة على رأسهم علي خيذر، الإخوة ملزي محمد، شفيق، علال وصالح، علي دياف، علي تومي، أحمد سليماني، ملواح لوناس، حمو قالتي، عبد القادر لعروسي، أحمد زقلي، لونيس خوجة، ارزقي مجيرة، عمار بريك، عيسى شادولي، نفّذوا عمليات بالأبيار وضواحيها”.
ويواصل حديثه: “من بين العمليات الفدائية، التي جرت بنواحي الأبيار هي رمي قنبلة في مخزن سي فيرا هذه العملية نفّذها شقيقي علال ملزي، رفقة عمر بريك، وملواح الوناس، وقطعت أعمدة الكهرباء وأسلاك الهاتف، العملية الثانية هي حرق 11سيارة كردّ فعل لسيارة الحزب أخذت من طرف المستعمر في ملكية ملزي، وهذه العملية نفّذها ملواح الوناس، لويس خوجي، محيز رزقي”.
ويشير محدّثنا إلى أنّ أول المتفجرات هي التي وضعت في طرود البريد بداية 1955 من طرف رئيس الفدائيين علي خيدر، المسمى shlofun، تحت اسم “محارب الموت،” حيث كان الاتصال الدوري يجري في ملكية الإخوة ملزي. في حين العملية الثالثة جرت في مفترق الطرق ببن عكنون ضدّ أعمدة أسلاك كهربائية جديدة والعملية الرابعة جرت على محوّل الغاز، الواقع بالتقرة، في العاصمة، حيث أحدث حريقا، والعملية الخامسة جرت تحت مسؤولية شفيق ملزي، وهي وضع قنبلة في نافذة بلدية الأبيار وقد انفجرت على يد علي دياف، الذي ألقي عليه القبض في الحين مع جميع أعضاء الشبكة، يقول المجاهد صالح.
ونشير إلى أنّ محدّثنا، حكم عليه في 26 ماي 1956 بعامين سجن و50 ألف فرنك غرامة، في القضية الأولى بتهمة تدمير أشياء مخصّصة للفائدة العامة، القضية الثانية حكم عليه فيها بالإعدام بتاريخ 16ماي 1957 ثم خفّف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبّدة بمرسوم صادر في 26سبتمبر 1957، بتهمة تكوين جمعية أشرار لجمع أسلحة وعتاد، اعتداء على الأمن الخارجي للدولة، محاولة إضرام النار بقصد، ومحاولة اغتيال.
سجن في الجزائر من 11 أكتوبر 1955 إلى 28 أكتوبر 1957، رقم إيداع السجن 4485، في مجموعة صلاحية الحراس بتاريخ 28 أكتوبر 1957 إلى 11 ديسمبر 1957، 2936.
انتقل بين سجون الإحتلال أوّلها سجن الأحداث لامبيز بباتنة من 11 ديسمبر 1957 إلى 10 جويلية 1961- رقم إيداع السجن 6764، ثمّ بسجن قسنطينة من 10جويلية 1961 إلى 25 أكتوبر 1961-رقم 9787، ثمّ في دار التأديب ببرواقية بتاريخ 25 أكتوبر 1961 إلى 15 ماي 1962-تحت رقم 7035.
إعـــــــدام لم يـــــنـــــــفّــــــــــــــــــذ
استفاد المجاهد صالح ملزي، من العفو الشامل في 15سبتمبر 1962، تنفيذا للمرسوم 22 مارس 1962.
شقيقه علال ملزي، الذي يكبره سنّا من مواليد 8 فيفري 1925 بالأبيار، متحصّل على شهادة تكوين مهني فرنسي، في 1941 شارك في الكشافة الإسلامية بفوج الكفاح ومقرهم كان ملكا لعائلة ملزي.
انضمّ إلى حزب الشعب الجزائري تحت إشراف أخيه شفيق، في الأفواج المسلّحة للحركة الوطنية الجزائرية بالجزائر، وألقي عليه القبض في 1956، حكم عليه بالإعدام لكن لم ينفذ.
شارك علال ملزي، في حزب الشعب الجزائري في 1942، ثم أصبح رئيس فوج الذي ضمّ مناضلين هم عبد القادر غرين، محمد ملزي وأحمد ملاح، كان يبيع جرائد الحزب، والجرائد الحرّة، ويوزّع نشرات على الجزائريين، وكان عضوا في المنظمة الخاصّة في 1949.
يروي محدّثنا، أنّ شقيقه علال ملزي، استجاب لنداء مصالي الحاج، بتاريخ 8 نوفمبر 1954، الذي أمره بالإلتحاق بالجبل وأن لا يبحث عمّن أمره بالثورة، ولهذا شارك في أربع معارك منها معركة أيت بوعدو، في الفترة 1955-1956، انطلقت على الساعة السابعة صباحا وانتهت حوالي الساعة الثالثة بعد الزوال، وشارك في معركة دوار الريش، تالزنات، مرقالة.
وعن التسليح يقول صالح ملزي:« بعد الحرب العالمية الثانية عندما عاد الجنود الأمريكيين من الجبهة الليبية في 1945، أتوا بأسلحة قد تركها الألمان في المعارك واشتريناها لمقتضيات الكفاح المسلّح، حيث أنّ الجيوش الأمريكية أنزلت بشمال إفريقيا في نوفمبر 1942، لتدافع على فرنسا وانجلترا ضدّ ألمانيا”.
ويضيف:”أقامت المعسكرات الأمريكية قرب ملكية عائلة ملزي، بحيدرة ولاحظ جار وهو إسباني شبّانا جزائريين يتلاعبون بأسلحة وهي ثلاث بندقيات رشاشة ألمانية وهم في الحقيقة مناضلون فأبلغ رجال الدرك الفرنسيين فاستعادوا هذه الأسلحة، حيث كان في حيازة شقيقي علال ملزي، صندوق كبير مملوء بالعتاد الحربي”.