من أعلام الجزائر، سخر قلمه لخدمة الثورة

الفقيد عبد الله شريط واجه الدعاية الاستعمارية بمقالات جريئة

سهام بوعموشة

يعد الفقيد عبد الله شريط أحد أهم الوجوه الصحفية التي تجنّدت إبان الثورة التحريرية للتعريف بالقضية الجزائرية، إذ كان له إسهام بارز في الصحافة التونسية منذ أن استقر بتونس مدرسا بجامع الزيتونة في بداية الخمسينيات، وعندما اندلعت الثورة تجند بنشر مقالات يومية في صحيفة “الصباح” التونسية خلال سبع سنوات من حرب التحرير الوطني، ولم يقتصر مساره في ميدان الفكر والأدب بل ساهم أيضا في الحياة السياسية والثقافية، حسب ما يؤكده الدكتور عبد الله مقلاتي أستاذ بقسم التاريخ بجامعة محمد بوضياف بالمسيلة في مقاله استنادا لدراسة تحليلية قام بها معتمدا على أرشيف الوزارة الأولى بتونس والمؤلفات التي أصدرها عبد الله شريط .

ولد عبد الله شريط بمدينة مسكيانة بأم البواقي سنة 1921، وفيها نشأ وتعلم وذاق من ويلات القهر الاستعماري الذي حدّ من جموحه في طلب العلم، حيث ساهمت تلك الظروف القاسية في بلورة شخصيته، انتقل إلى تونس لمواصلة التعليم بالزيتونة ونال منها حظا وافرا من المعارف، ثم التحق بسوريا لمواصلة تعليمه العالي وتخرج من معهد دمشق حاصلا على شهادة اللسانس في الفلسفة، أين تأثر بمبادئ القومية العربية.
وظّف كأستاذ للفلسفة بجامع الزيتونة في بداية الخمسينات ولم يكن في تونس بعيدا عن وطنه، فجامع الزيتونة غاص بالطلبة الجزائريين، واعتبر تونس وطنا ثانيا له وربط صداقات مع كثير من رجال الفكر والسياسة التونسيين، حيث بدأ مشواره الصحفي يكتب المقالات ويترجم العناوين الأجنبية لجرائد الزهرة، الصباح، العمل،...الخ، وقد سمحت له ثقافته الواسعة وإتقانه للغات الأجنبية بإحراز مكانة مرموقة في الوسط الصحفي التونسي.
وحسب ما أفاد به الأستاذ مقلاتي فإن شريط برز اهتمامه مبكرا بقضية وطنه، وسخّر قلمه وجهوده لخدمتها ولم تثنه مشاغله في مجال التدريس، عن مضاعفة الجهد وتسطير مخطط يرمي إلى تخصيص صفحة يومية للقضية الجزائرية في أشهر الصحف التونسية (الصباح)، بدأ مشروعه سنة 1955 لغاية جويلية 1962، وقد ظلّ يواكب التطورات ويطلع على الصحافة الفرنسية والدولية، لينقل منها لقرائه عيون المقالات  التي تخدم الثورة، فضلا عن كتاباته في صحيفة “المجاهد” التي كان يزودها بالمقالات السياسية، ثم مشرفا على إدارة مصلحة الصحافة والنشر لجبهة التحرير الوطني بتونس منذ سنة 1960.
وبالموازاة مع ذلك، كان شريط مكلفا بكتابة التعليق السياسي اليومي الذي يقدمه عيسى مسعودي في ركن “صوت الجزائر” بالإذاعة التونسية، وقد ساهمت مقالاته في خدمة الصحافة والإعلام الثوري، وفي هذا الصدد، يقول الأستاذ الجامعي أن  جهد الفقيد  المبذولة في كتابة المقالات اليومية التي نشرها في موسوعة الثورة الجزائرية في الصحافة الدولية، تعد بحق عملا نادرا ومفيدا للقضية الجزائرية، ويحتاج منا إلى إعادة قراءتها وتثمينها.
ويضيف أنه يتطلب الجهد الصحفي الذي بذله عبد الله شريط دراسة دقيقة وتحليل عميق لبيان قيمته الإعلامية والإبداعية، ويتوجب علينا مراجعة مجموع المقالات عبر قراءة كمية وتحليل نوعي، وذلك من أجل التعرف على شخصيته الصحفية وبيان جهوده الإبداعية، مجموع مقالات الأجزاء الإحدى عشر لمصنف “الثورة الجزائرية في الصحافة الدولية” تعالج مادتها الإعلامية القضية الجزائرية أساسا، وبشكل جزئي قضايا الشمال الإفريقي والوطن العربي والقضايا الدولية البارزة.
وبالمقابل، أوضح الدكتور مقلاتي أن الفقيد شريط جعل من صفحته سبيلا لتعميم الإعلام الثوري على القراء داخل تونس وخارجه، وكرس صفحات عديدة لعرض منشورات الثورة الجزائرية، كما أنه أولى عناية في النصف الثاني من سنة 1959 بنقل أعدادا من مقالات نشرية وزارة الأخبار للحكومة الجزائرية المؤقتة “النشرية السياسية”، التي تناولت نقدا لسياسة ديغول ومشروع إدماج القضاء الإسلامي، وعددت هزائم ديغول العسكرية والسياسية، كما عالجت موضوع اليد الحمراء والجنرال ديغول، وفي مقال آخر تطرق لفضائح المحتشدات الموجودة بالجزائر.
وأبرز الكاتب طريقة معالجة الإعلامي شريط للقضايا الحساسة المثيرة للجدل، من خلال استعراض وجهة النظر الوطنية بمقابل ما تردّده الصحافة الأجنبية بغية رفع اللبس وتوضيح الحقائق للقراء، وكان جريئا في تغطية هذه القضايا الحساسة، كصراع جبهة التحرير الوطني مع المصالين واستسلام بعض قادة الثورة المزيفين، وما تردّده الصحافة الأجنبية من توجهات وأسرار الثورة الجزائرية، وهذا بهدف مواجهة الدعاية الفرنسية التي تحاول إثارة الشبهات المغرضة.

جهوده أثمرت بما يناهز الألف مقال

وقد أثمر جهود السنوات الثمانية لعبد الله شريط كما هائلا، من المقالات يناهز الألف مقال ولم ينشر جميع المقالات خاصة المتعلقة بنهاية سنة 1957، وبداية سنة 1958 وذلك لتوقف صحيفة (الصباح) عن الصدور من جهة، ولعدم تمكن شريط من الوصول إلى حصر جميع مقالاته من جهة أخرى، وقد عاينا استمرار نشر الصفحة بصحيفة العمل التونسية، لكن عبد الله شريط لم يرجع إليها لأسباب مجهولة، على حد قول الأستاذ الجامعي.
وتتوزع أعداد المقالات حسب السنوات على الشكل الآتي: 186 مقالا نشر سنة 1955، و175 مقالا في سنة 1956، و129 مقالا سنة 1957، 150 مقالا سنة 1958، 208 مقالات سنة 1959، وفي سنة 1960 تم إحصاء 165 مقالا و111 مقالا سنة 1961، ونشر في السداسي الأول من سنة 1962 خمسين مقالا. حيث اشتملت المادة الإعلامية لسنة 1955 على 186 مقالا ورد ضمنها 196 نصا مترجما منها 102 نصا يعالج القضية الجزائرية، والسياسة الفرنسية و78 نصا يتطرق لقضايا الشمال الإفريقي وخصص للقضايا الدولية 13 نصا.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور مقلاتي، أن المقالات التحليلية والافتتاحيات أخذت النصيب الأوفر بـ 169 نصا في حين خصص 24 نصا لتقارير المراسلين والحوارات وعرض خطب وتقارير رجال السياسة، ومن خلال دراسة لمجموع المقالات التي نشرها عبد الله شريط، لاحظ الباحث وجود انتقائية مدروسة اتبعها المترجم في اختيار نصوصه، وأنه بذل جهدا مضاعفا في سبيل انتقاء الأحسن والأفيد، كما كان يحرص أن يكون وفيا في الحفاظ على عناوين المقالات كما وردت في الأصل.
ويضيف أن المقالات  التي نشرها  شريط خدمت القضية الجزائرية، في أوجه وجوانب متعددة وكانت لها الصيت والأهمية البالغة في التعريف بالثورة، سواء من خلال عرضها لتطورات الكفاح الوطني وتعميم الإعلام الثوري أو نقدها للسياسة الفرنسية ومواجهتها للدعاية المغرضة، وبالتالي فالإعلام الثوري ساهم بشكل ايجابي وفعال في حرب التحرير الوطني .

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024