عرف بالانضباط والحنكة في التعبئة والتنظيـم:

الشهيد ذبيح شريف واحد من الأبطال الذين صنعوا مجد الجزائر

سهام.ب

عرف بين عناصر الخلية التي كان ينشط فيها بالجد والانضباط، والتضحية وحب الوطن ولذلك اختير ليكون عضوا في صفوف المنظمة الخاصة عند ظهورها عام 1947، حيث برهن من جديد على قدرته وحنكته في مجال التعبئة والتنظيم، ذلك ما أهّله لأن يصبح من بين العناصر النشيطة والبارزةعلى مستوى خلايا الجزائر العاصمة، فأسندت إليه المنظمة مسؤولية الإشراف والتوجيه على المنتسبين إليها، لتأطيرهم تحت الإشراف العام للشهيد مراد ديدوش الذي أوكل إليه العديد من المهمات داخل العاصمة، فقام بها على أحسن وجه.

إنه الشهيد شريف ذبيح المدعو “سي مراد”، من مواليد 10 ماي 1926 بالجزائر العاصمة من أسرة محافظة، التحق بالمدرسة الابتدائية الفرنسية ونظرا لصعوبة الحياة وضنك العيش، ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة ليتوجه إلى الحياة العملية، لكن لم تخمد في صدره جذوة حب العلم والمعرفة، فانضم إلى صفوف الكشافة الإسلامية التي كانت بالنسبة إليه المدرسة الحقيقية الأصيلة، التي اكتسب فيها حب الوطن والتحلي بالأخلاق السامية النبيلة.
 عايش عن قرب وشاهد معاناة  أبناء وطنه ،  فتألم كثيرا، وبعد مجازر الثامن ماي 1945، ازداد قناعة بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة مما دفعه إلى الالتحاق بصفوف حزب الشعب الجزائري، ثم حركة الانتصار للحريات الديمقراطية وهو لم يتجاوز العقد الثاني من عمره، وقد استطاع بفضل نضجه السياسي المبكر واستقامة سلوكه ونبل أخلاقه تنظيم العديد من أبناء الشعب، وهيكلتهم في صفوف خلايا حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بالأحياء الشعبية.
بعد اكتشاف المنظمة الخاصة عام 1950، تعرض “شريف ذبيح” مثل بقية رفاقه إلى المطاردة والملاحقة المستمرة من قبل البوليس الفرنسي، وذلك ما جعله يستجيب لتوجيهات مسؤوله المباشر الشهيد مراد ديدوش الذي أمره بمغادرة التراب الوطني مؤقتا باتجاه فرنسا، بعد أن تحصل على وثائق هوية تحمل اسما غير اسمه الحقيقي، حيث تمكّن من الخروج دون أن يتفطن له بوليس العدو.
وهناك واصل ذبيح شريف نضاله السياسي والتنظيمي والتعبوي، وسط العديد من الجزائريين المهاجرين وإنشاء العديد من الخلايا النشطة التي امتازت عناصرها بالحنكة والكفاءة، في تنفيذ المهام المسندة إليها، واستمر الشهيد في نضاله تحت لواء حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، الواجهة الجديدة لحزب الشعب لغاية 1953.
عاد ذبيح شريف إلى أرض الوطن بعد أن قضى فترة من الزمن بفرنسا، ومباشرة استأنف نشاطه السياسي والتعبوي بعزيمة قوية بمعية مجموعة من رفاقه المناضلين، وامتد إلى عدة أحياء من الجزائر العاصمة، حيث وظف التجربة والخبرة اللتين اكتسبهما خلال الثلاث سنوات التي قضاها بفرنسا في هذا الميدان، حيث أشرف الشهيد من جديد بمعية بعض أعضاء المنظمة الخاصة بالعاصمة على إعادة لم شمل القاعدة النضالية، وتجاوز أزمة الصراع الدائر يومئذ في هرم قيادة الحركة بين الفريقين المتصارعين، والعمل على وضع أسس ومناهج محددة لتحضير وإعداد القواعد المادية والمعنوية استعدادا لانطلاق الثورة.
شرع  في تكوين خلايا المناضلين منذ مطلع عام 1955، وسرعان ما برز نشاطه في الميدان السياسي والعسكري في الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية الكبيرة، حيث بدأت العمليات الفدائية تحدث يوميا، وذلك ما دفع العدو إلى تشديد المراقبة والحصار على نشاطات شريف ذبيح الأمر الذي أجبره على الاختفاء من جديد، ومغادرة العاصمة باتجاه الجبل، وخاصة بعد اعتقال قائد المنطقة الرابعة رابح بيطاط في فيفري 1955، غير أن مصالح العدو ظلّت تترصد أخباره وتحركاته.
ظل الشهيد فترة بالجبل قبل أن يعود مرة أخرى إلى العاصمة سنة 1956، باعتباره المسؤول السياسي والعسكري لقيادة العمل الفدائي الذي عرف تطورا ونشاطا مكثفا تميز بالدقة والقوة والتركيز، إلى جانب إشرافه على التوجيه السياسي كان له دور آخر تمثل في إنشاء شبكات الدعم والإسناد، وصناعة المتفجرات التي استخدمت لضرب أهداف العدو الاقتصادية والاجتماعية، ردّا على أعماله الإجرامية ضد المواطنين الأبرياء.
وقد برهنت تلك العمليات الجريئة على عبقرية الرجل وحنكته، ودفاعه المستميت من أجل استقلال الجزائر، كما ساهم في توسيع نشاط الثورة وترسيخ قواعدها في أوساط الشعب، حيث استشهد بتاريخ 26 أوت 1957 في حي القصبة مع رفاقه وهم يقومون بمهامهم، حيث حاصرته قوات المظليين داخل منزل بعد أن ابلوا بلاء حسنا في المقاومة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024