قبل 66 عاما التحق 33 طالبا من أصل 106 بصفوف جبهة التحرير الوطني، في الأيام التي تبعت إضراب 19 ماي 1956، منهم 28 طالبا في الطب، بينهم محمود عثامنة، عبد السلام، لخضر بن باديس، أحمد بن عصمان، رشيد بلحسين وغيرهم، استشهد أربعة طلبة هم: عبد السلام لخضر بن باديس في الولاية الأولى، رشيد بلحسين في الولاية الثالثة، يحيى فارس وباكير قدي في الولاية الرابعة.
التحق هؤلاء الطلبة بقواعد المساندة في تونس والمغرب، ومنهم من التحق بصفوف جبهة التحرير بالجبال، حسب البروفيسور مصطفى خياطي، في كتاب «المآزر البيضاء خلال الثورة الجزائرية».
عدد الطلبة الجزائريين بجامعة ستراسبورغ كان قليلا، لا يتعدّى عشرة طلبة، أغلبهم مسجل في الطب، سعيد شيبان، لمين خان، خالد ديمرجي، إسعد عيساني، سيلفيا برات، الذي غيّر اسمه لاحقا الى أمين زيغود، شريف شريف، محمد عبادة، محفوظ بن حبيليس.
كان سعيد شيبان من أوائل الطلبة الجزائريين الذين وصلوا إلى ستراسبورغ في أكتوبر 1947، ولحقه لمين خان، ومحمد عبادة ومحفوظ بن حبيليس، وخالد ديمرجي في 1952، أغلب هؤلاء الطلبة التحقوا بصفوف جيش التحرير، واستشهد شريف شريف واسعد عيساني.
دخل طلبة الطب بكثافة في دواليب الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، منذ تأسيسه في جويلية 1955، وبقي هذا الالتزام ثابتا حتى استقلال الجزائر.
كان المكتب التنفيذي للاتحاد العام للطلبة المنتخب خلال المؤتمر الأول 12 و13 جويلية 1955 يضم ثلاثة طلبة في مركز حساس، وهو رئيس، آمين عام وأمين الصندوق وهم أحمد طالب الإبراهيمي، مولود بلوان، وبن علي منصور.
طُرحت فكرة تأسيس الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين قبل اندلاع الثورة، وتداولها المناضلون في الحركة الوطنية، ولم تتفرّغ جبهة التحرير الوطني للمسائل العضوية خارج نطاق جيش التحرير إلا في بداية 1955 بعد خروج عبان رمضان من السجن من فيفري 1955.
أغلب الطلبة، الذين كانوا يحبّذون تأسيس اتحاد عام للطلبة، انخرطوا في صفوف جبهة التحرير الوطني في أفريل، منهم بلعيد عبد السلام، محمد الصديق بن يحيى، وقد تعرّف هذان الأخيران على عبان بثانوية ألبرتيني بسطيف، عندما كان مسؤولا عن خلية حزب الشعب الجزائري، ولمين خان وعلاوة بن بعطوش وأحمد طالب الإبراهيمي.
أوّل خليّــة
أنشأ محمد تومي، مصطفى لليام ومحمد فرادى وكلهم طلبة سنة ثانية تخصص أول خلية في فرنسا بالوسط الطلابي بجامعة مونبلييه، وفي نفس الوقت كان محمد خميستي طالب سنة الأولى طب، أمين لجنة الإتحاد الطلابي بمونبوليي.
سلّم الطلبة الكبار المسؤولية للطلبة الصغار، وكلف محمد خميستي بتجنيد طلبة للإلتحاق بالجبال، وكان من أوائل المتطوعين أعضاء خلية مونبلييه، ولحق بهم طلبة آخرون هم: محمد عثامنة طالب سنة خامسة طب، محمد المنير الرجيمي طالب سنة ثالثة، بشير ولد رويس طالب سنة ثالثة، وأطلق الضوء الأخضر لهذا الإلتحاق يوم 29 جوان.
انطلق هذا الفوج في طريقه إلى تونس، وهناك بعض الطلبة في الطب بالجامعات الفرنسية الذين التحقوا بجيش التحرير الوطني بقواعد الدعم الشرقية والغربية بوسائلهم الخاصة، مثل مصطفى لليام وباكير جدي، الذي كان عضوا مؤسسا لإتحاد الطلبة واستشهد، والإخوة بلحسين عبد المالك ورشيد، اللذين كان عضوين في الإتحاد العام للطلبة واستشهد الاثنين.
مسؤوليات
كلّف طلبة بمسؤوليات، وكان فرع الإتصالات والمعلومات جد متطور، ومقسّم إلى لجان مختصة منها لجنة مختصّة بالصحة، من مهامها تزويد الجبال بالأطباء والممرضين والأدوية، وكذلك بالحماية القانونية بالإتصال مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكذا الهلال الأحمر الجزائري (أطباء وسلك شبه طبي يشتغلون مع لجنة الصحة).
وشرع عدد من الطلبة ومنذ هذا التاريخ بالعمل كشركاء في تسيير الثورة، وكان محمد الصديق بن يحيى رئيس قسمة الجزائر للإتحاد العام للطلبة أول طالب عيّن في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ولحقه لمين خان كعضو بديل في أوت 1959.
خدمات وقائية وعلاجية
وصل طلبة الطب في الجبال على دفعات متتالية، وكان أثره طيبا على الجنود لأنهم أصبحوا يتكفلون بالمرضى والجرحى، وكان دورهم علاجي ووقائي، وكانوا يقدّمون خدماتهم لسكان المناطق المعزولة والمناطق المحرمة التي لم يدخلها الجيش الفرنسي، وتكتفي بقنبلتها بطائرتها أو مدافعها الطويلة الأمد.
اهتمّت مصلحة الصحة بترسيخ مبادئ النظافة، سواء بين أوساط جنود جيش التحرير أو لدى السكان، وكان كل مجاهد في الولاية الرابعة يحتفظ في حقيبته بقطعة صابون، ومعجون وفرشاة أسنان وكل رئيس فوج مسؤول عن النظافة.
إضافة إلى هذه المهمة الرئيسية، جنّد الطلبة بصفة عامة في حملة لمحاربة الأمية وكانوا يعطون دروسا في اللغتين العربية والفرنسية، مثلما كان الأمر في الولاية التاريخية الثالثة بقيادة العقيد عميروش، وكذلك في قواعد الإسناد الغربية والشرقية، وكان يشارك هذه الدروس عناصر الجيش، وكذلك أهالي المنطقة خاصة الأطفال.
يقول الدكتور مصطفى خياطي، نقلا عن جيل برفيلي، إن هذه المدارس كانت مفتوحة في القرى التي كانت تخضع لسلطة جيش التحرير، وكانت تشتغل بالإمكانيات المتوفرة، وصرح قائد الولاية الرابعة في 1957 بأن لديه 120 مدرسة.
وأسندت لهؤلاء الطلبة مهام إضافية أخرى، كالتثقيف السياسي للجنود، كتابة الرسائل والتقارير، تحضير نشرات الداخلية، مثلما كان الحال لنشرة صوت الجبال في الولاية الثالثة، أو الثورة في الولاية الرابعة.
قرّر عدد من طلبة الطب الالتحاق بالثورة، مغادرين الجامعة نهائيا، مثلما كان الحال بالنسبة لمحي الدين مساوي الذي ترك دراسته في جامعة بوردو في 1955، والتحق بجبهة التحرير في تونس، شارك في إصدار جريدة «المجاهد».
اشتغل مع محمد يزيد، بلعيد عبد السلام، محمد خميستي، أحمد بودربة، الطاهر حمدي، طالب بن دياب شعيب وخالد ديمرجي، وتميّز الطلبة الذين التحقوا بجيش التحرير الوطني بمستوى عال من الوعي السياسي، وإلتزام مثالي إزاء الثورة.
وكانت ثلاث ممرضات تم القبض عليهن في جويلية 1956 في مغارة تستخدم كمستوصف في الولاية الرابعة، وهن صافية بازي، فضيلة مسلي ومريم بلميهوب.
عالجن مناضلين جرحى وسكان الجبال، الذين كانوا يشكون من الفقر والجوع، ومن قسوة القمع ومن القنابل والنيران المسلطة عليهم.
تقول المرحومة مريم بلميهوب: «لم أكن أقدّم العلاج إلا للجنود الجزائريين، وإنما قدمته كذلك للسكان المدنيين الذين كانوا في حالة لا أستطيع أن أصفها أمامكم، فهؤلاء السكان كانوا يشكون من سوء التغذية وكانوا مهمّشين، كانوا عرضة لداء السفلس ومرض السل ونقص الكالسيوم والبؤس».
1857 طالب بفرنسا
شارك 105 طالب جزائري من جامعة مونبلييه في إضراب 19 ماي 1956، كان في كلية الطب لمونبولييه خلال السنة الجامعية 1955-1956، عدد من الطلبة قدر بـ 45 طالبا منهم عون من عنابة، أرقم الذي كان عضوا في القسمة الجامعية، والذي سيشغل أستاذ رئيس قسم المسالك البولية في مستشفى باب الوادي بالعاصمة بعد الاستقلال.
إضافة إلى محمود عثامنة، أحمد عروة، بابا عامر، عبد السلام، لخضر بن باديس، بن هندة من مستغانم، أحمد بن عصمان، بلحسين ماجد من تيزي وزو الذي فتح عيادة في قالمة بعد الإستقلال، بلكالول توفي بعد الإستقلال، بلحسين رشيد من برج بوعريريج.
وكذلك لخضر براهيمي، جمال الدين بن سالم، رشيد بوعياد، علي بن عولا، مسعود بن جناس، محمد فرادي، يحيى فارس، باكير جدي، محمد خميستي، مصطفى قداري، قارة من مستغانم، حاج جيلالي من عين الدفلى الذي استقر بسويسرا، بوقرط، بوسعد خاتي، مصطفى لليام، عباس مقراني، بشير ولد رويس، محمد المنير الرجيمي، رحال سالم الذي تخرّج من ثانوية سطيف، وأصبح جرّاحا بالعلمة.
صنهاجي من ندرومة، زركان من الشلف، زدشي من برج بوعريريج الذي سيصبح طبيبا مختصا في طب العيون بالجزائر، محمد تومي، عمارة بن عدودة، حسان لزرق، بشير خشام، توفيق بختي، ساعد بلحسين من تيزي وزو، بن يحيى من بجاية، زيرة من جيجل والذي فتح عيادة كمختص في أمراض النساء بسطيف، الهاشمي سواليلي الذي استقر بسويسرا، نصر الدين العمري بان، زهير يعقوبي، عبد المجيد بوقرموح.
أنشئت قسمات جامعية تشرف كل واحدة على منطقة، ففي فرنسا كان هناك خمس مناطق، وكان إنشاء القسمة يأخذ قسمة جامعية في منطقة باريس، التي كانت تضم ثلث الطلاب الجزائريين في فرنسا.
أنشئت قسمة في منطقة نورموندي، تشرف على جامعات أونجاع وكون وبواتيه وتولوز، وفي الوسط الجنوبي قسمة تشرف على جامعة أكس وبروفانس، قرونوبل، ليون، مرسيليا ومونبولييه، وفي المنطقة الشرقية قسمة خاصة تشرف على جامعة بزونسو وديجون، نانسي وستراسبورغ،
وصل عدد الطلبة الموجودين في فرنسا 1857 سنة 1958، وهناك قرابة 500 طالب كانوا مهيكلين في قسمات الجامعة لجبهة التحرير الوطني، وتشير الدراسة إلى أن ما يقارب 50 طالبا لم يشاركوا في الإضراب.
سجن، تعذيب وتقتيل
تعرّض الطلبة بالقسمات الجامعية إلى القمع، وأوقف 31 طالبا في ديسمبر 1958 وجانفي 1959، وعدد آخر من المبحوثين عليهم لدى الشرطة الفرنسية، ما أدى بهم إلى الفرار إلى البلدان الأوروبية المجاورة لفرنسا، وتكفلت بهم هياكل جبهة التحرير الوطني قبل أن يحصلوا على منح دراسية سمحت لهم بمواصلة دراستهم في بلدان أوروبية مختلفة.
أدى القمع في القسمات الجامعية إلى نتيجة عكسية، في الوقت الذي كان عدد الطلبة في فرنسا ينقص كان عدد الطلبة في البلدان الأوروبية الأخرى يرتفع، وبلغ عدد الطلبة المسجلين في الجامعات الفرنسية 2790 بين 1957 و1958.
ولم يصل إلى ألف خلال الفترة 1960 - 1961 وأكثر من الثلث (369)، كانوا مهيكلين في القسمات الجامعية، وبلغ عدد الطلبة المسجلين في الجامعات الأوروبية الأخرى 220 في 1955.
كانت القوات الاستعمارية ترى في الطلبة الذين شاركوا في إضراب ماي 1956، وخاصة منهم أولئك المهيكلين أو المسؤولين عن هياكل الإتحاد العام للطلبة، بأنهم طلبة مشاغبين ينتمون إلى جبهة التحرير الوطني، فتمت ملاحقتهم وتوقيفهم وتقديمهم إلى المحاكم، وهناك عدد منهم عذّبوا وسجنوا وقتلوا.
أوقف حوالي 50 طالبا يوم 28 جانفي 1958، وجهت لهم تهم تهديد الأمن الخارجي للدولة، وإعادة تفعيل منظمة موقوفة وهي الإتحاد العام للطلاب المسلمين الجزائريين.
عديد الطلبة استشهدوا في الجبال منهم رشيد بلحسين في 1957، قدي باكير، يحيى فارس، إسعاد حساني، شريف شريف، بشير بن ناصر، بلقاسم زدور الذي قتل بصفة شنيعة بعد تعذيبه، ورمي في البحر مكبّلا داخل كيس مع 70 كيلو من الرصاص.
أصبح استشهاده قضية وطنية وأصدر المؤتمر السابع الدولي للطلبة لائحة استنكار حول المساس بحرية الدراسة، والتعذيب ضد الطلبة الجزائريين. وحسب شهادة المجاهد قنطاري فإنّ أكثر من ألف طالب جامعي وثانوي استشهدوا.
إطارات الدّولة مستقبلا
خصّصت فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا مبالغ مالية لتدعيم برنامج المنح الدراسية، وفّرت عشرات المنح للراغبين في مواصلة دراستهم بالبلدان الشرقية والغربية.
كان التسجيل في البلدان الشرقية سهلا لا يقتضي الحصول على شهادة البكالوريا، ما سهّل على الكثير من الطلاب وخاصة طلاب الثانويات الالتحاق بجامعات البلدان الشرقية، في حين خضع التسجيل في البلدان الغربية إلى معايير دقيقة تختلف من جامعة لأخرى، وأحيانا صعبة في استكمالها.
نظّم الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين الطلبة الموجودين في المهجر، عبر قسمات جامعية في كل مدينة بها عدد من الطلبة، وحضّرت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية برنامجا يسمى تحضير الإطارات لما بعد الاستقلال، وأسند تحقيقه إلى الإتحاد العام للطلبة الجزائريين ابتداء من أكتوبر 1957 مباشرة بعد الإنتهاء من الإضراب.
من نتائج البرنامج إرسال فوج من الطلبة إلى مدرسة متعددة التقنيات كيروزان، وفوج بلوزان في أكتوبر 1957.
خصّصت برامج للتكوين في المجال العسكري بالدول العربية والإشتراكية والصين، وأنشأت مصالح جبهة التحرير مدرسة للإطارات بوجدة للتكوين في الميدان السياسي والإداري.
وتشير الإحصائيات إلى 2136 طالب وتلميذ ثانوي حصلوا على منح، منهم 1138 كانوا موجودين بالمغرب وتونس، و421 في الدول العربية الأخرى، و309 في الدول الغربية، و236 في الدول الشرقية.
تخصّصات علمية وتقنية
أكثر من الثلث سجلوا في دراسات علمية وتقنية (فلاحة، ري، أشغال عمومية، كيمياء، مناجم، محروقات، ميكانيك، فيزياء نووي وغيرها) في مختلف البلدان.
140 طالب سجلوا في دراسات الطب، صيدلة، جراحة الأسنان، 206 في الحقوق، 243 في الأدب، تحصلوا على منح لمواصلة دراستهم، منهم 111 طالب في البلدان الأوروبية.
استطاعت الثورة الجزائرية في ثلاث سنوات تكوين تقنيين بعدد أكبر، ساهم ذلك في استخلاف الهجرة المباغتة لكل الإطارات الفرنسية عشية استرجاع السيادة الوطنية، وأقحموا في مختلف دواليب التنظيم السياسي والإداري والعسكري.
في هذا الصدد، قال فرحات عباس في المؤتمر الرابع للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في تونس: «لقد أسقطتم أسطورة، كل الأيام التي تمضي تأتينا بأدلة مقنعة حول هذه الحقيقة الساطعة، ليس هناك جنس متفوّق وجنس متفوّق عليه». وهنا يبرز عبقرية وكفاءة الطالب الجزائري.