يقول الفقيد المجاهد اللواء حسين بن معلم، في الجزء الأول من مذكراته التي تناول فيها حرب التحرير الوطني والعقيد عميروش: «استقبلنا الإعلان عن وقف إطلاق النار بغبطة كبيرة، لم نحصل على الاستقلال بعد، غير أننا كنا متيقنين بنتائج الاستفتاء».
يؤكد المجاهد الراحل بن معلم: «لكن بهجتنا قد تعكرت بحزن وحيرة: بحزن عند العودة بالذاكرة إلى مئات الآلاف من إخوة السلاح ومواطنينا الذين سقطوا في ميدان الشرف والذين لم يقدر لهم أن يحضروا لاستقلال البلد الذي ضحوا من أجله، والحيرة بالنظر إلى سياسة الأرض المحروقة التي شرعت فيها منظمة الجيش السري l’OAS وبصفة أخص العواقب غبر المرتقبة للصراع الدائر بين قيادة الأركان العامة والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية».
ويوضح بن معلم أنه يوم 18 مارس 1962 عقد اجتماع لمديرية التكوين العام ترأسه النقيب بوتلا في ملاق حضره المتحدث باعتباره قائد المعسكر 02 (مدرسة الأشبال)، اشتمل جدول الأعمال على التدابير التي ينبغي اتخاذها من أجل تطبيق وقف إطلاق النار وترتيب استقبال الوزراء الخمسة في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وكذا المسجونين والذين أطلق سراحهم وتحضير اجتماع بملاق لكافة إطارات الحدود تحسبا للزيارة الوزارية.
وسجلت نقاط أخرى في جدول الأعمال مثل التوجه المقبل جيش التحرير الوطني وما تقتضيه مستقبلا مديرية التكوين العام. ويشير المجاهد إلى أنه فور بداية الاجتماع تم التأكيد على أن وقف إطلاق النار لن ينطبق إلا بأمر مكتوب من قيادة الأركان العامة.
ويقول أيضا: «جرت زيارة الوزراء الخمسة إلى معسكر ملاق يوم 20 أفريل 1962 استقبل كل من بن بلة، أيت أحمد، بوضياف، بيطاط، وخيضر من طرف رئيس وأعضاء قيادة الأركان العامة تم تنظيم استعراض كبير شاركت فيه الوحدات المتمركزة في الحدود، فتح الأشبال المسيرة، كنت على رأسهم باعتباري قائد الوحدة».
تم عقد اجتماع بالمناسبة بحضور الوزراء الخمسة وكافة الإطارات إلى غاية رئيس فصيلة بالنسبة للوحدات العملياتية وإلى غاية مدرب بالنسبة للمديرية العامة للتدريب.
ويؤكد الفقيد بن معلم أنها كانت زيارة سياسية بامتياز أراد العقيد بومدين أن يبدي القوة المتوفرة لديه من أجل إبهار زائريه.
ويبرز استقبال الوزراء الخمسة من طرف قيادة أركان الغرب في وجدة إذ كانوا في المغرب بعد تحريرهم أثناء اجتماع مع الإطارات، حيث تناول أحمد بن بلة الذي حظي بنجومية اللقاء.
كان من المقرر تنظيم الاستفتاء، يوم 1 جويلية 1962، ويوم 02 جويلية ليلة الإعلان عن نتائج الاستفتاء وعن استقلال الجزائر تم تنظيم تجمع في تونس من قبل حزب الدستور ترأسه الرئيس بورقيبة وبث على أمواج الراديو حضره رئيس ووزراء في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
ويوضح أنه تم الإعلان للعموم عن نتائج الاستفتاء حول تقرير المصير يوم 3 جويلية وكانت بشكل واسع لصالح استقلال الجزائر الذي تم الإعلان عنه في نفس اليوم، ويؤكد:»كنت وقتها في مقر مديرية التكوين العام في ملاق، كنا مبتهجين بتحقيق الهدف الذي كافحنا من أجله سنوات طويلة».
ويضيف أنه يوم 3 جويلية دخل بن يوسف بن خدة ومعظم وزراء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إلى منطقة الجزائر، حيث حظوا باستقبال مظفر من قبل السكان، في نفس الوقت دخلت كافة الوحدات التي كانت مرابضة على الحدود إلى التراب الوطني مفضلة التمركز في الولايات الموالية لقيادة الأركان.
رفع علم الجزائر بسيدي فرج
ورفع علم الجزائر في سيدي فرج، يوم 3 جويلية، وهدم التمثال الضخم الذي تم تنصيبه من طرف الفرنسيين في شبه الجزيرة تخليدا لإنزال 1830، حضر كثير من الصحفيين الأجانب لتغطية الحدث. وأقامت مديرية التكوين العام مؤقتا بالقرب من ساقية سيدي يوسف القريبة جدا من الحدود.
في هذا الصدد، يقول معلم: «في يوم من الأيام توجهنا إلى سوق أهراس رفقة بعض الرفاق وقضينا الليلة عند تاجر أصله من القلعة مسقط رأسي كانت الفرحة كبيرة، لم يعد ثمة نشاط في مديرية التكوين العام وقتها توجهت إلى مركز قيادة الأركان العامة الموجودة في Gambetta، وهي قرية موجودة جنوب سوق أهراس».
ويضيف: «كان النقيب زرقيني مكفلا بالمداومة هناك، قدم لي رخصة لأتوجه لزيارة أجدادي لأمي في سطيف، وضعت تحت تصرفي سيارة لتنقلني إلى غاية عين مليلة، حيث قضيت الليلة قبل الوصول إلى سطيف، علمت بأن أبي وعائلته كانوا يقيمون في البليدة ونظرا لعدم تمكني من الذهاب إلى البليدة انتقل أبي وزوجته مع أخي وأختي إلى سطيف».
ويقول أيضا:» أقمنا عند جدي وكانت العائلة كلها مجتمعة، لم تصلنا أخبار عنهم مدة ست سنوات كان اللقاء العائلي بهيجا وكانت الفرحة تغمرنا جميعا. كانت سطيف تابعة للولاية الأولى لم تكن لي وقتها وظيفة محددة لذا قررت البقاء في هذه الولاية أطلعت العقيد الزبيري رئيس الولاية الذي كنت أعرفه برغبتي في العمل بهذه الولاية أعطاني موافقته فورا طلبت منه أن يطلع قيادة الأركان بذلك وهو ما فعل».
منذ جويلية 1962 عين اللواء بن معلم في المركز القيادي للولاية الأولى بفراقسو (بوحمامة حاليا) بولاية خنشلة، حيث تمركز في ثكنة كبيرة أجلي الجيش الفرنسي عنها كانت موجودة في سفح جبل شيليا، بعد ذلك تم تحويل المركز القيادي إلى مركزية لامبيز (تازولت) بعد أن أفرغت من السجناء في مرحلة ثالثة تمت إقامة المركز القيادي في باتنة.
مـن جيـش التحريـر الوطنـي إلى الجيــش الوطني الشعبي
ويوضح الفقيد المجاهد أنه في الاجتماع الذي عقد ببوسعادة يوم 27 أوت 1962 قرّر بومدين تغيير تسمية جيش التحرير الوطني واستبدالها بالجيش الوطني الشعبي مثلما يوضحه العقيد زرقيني في كتاباته «...هو جيش التحرير الوطني سابقا، إذ ابتداء من ذلك اليوم، ومن أجل قطع الطريق أمام كل حملات التفرقة المغرضة بين المجاهدين قرر بومدين أن يعطيها «بصفة شبه رسمية» تسمية الجيش الوطني الشعبي».
في هذا الصدد، يشير المتحدث أنه سبق لمؤتمر الصومام أن قرر بأن رتب حرب التحرير ستكون مؤقتة إلى غاية التحرير وستكون موضوع دراسة حالة بحالة عند حلول الاستقلال لم يطبق هذا القرار الهام، لم يكتف بتأكيد رتب جيش التحرير الوطني فحسب بل شرع حتى في ترقيات جديدة هذا رغم أنه من البديهي بأن مقتضيات جيش من الثوار وجيش كلاسيكي مختلفة تماما.
وبحسبه فإنه كان من المفروض أن يشرع في دراسة «حالة بحالة» كما برمج له بحق المؤتمرون في الصومام، حيث كان العديد من الإطارات يتوفرون على شروط التأكيد في الرتبة بالنظر لما اتبعوه من تكوين مناسب.
ويشير:»تحويل جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي لم يتم في رأيي على أساس تفكير معمق ولا تخطيط شامل وصارم تتطلبه عملية في مثل تلك الأهمية».
وبعد استرجاع السيادة الوطنية قررت وزارة الدفاع الوطني حينها حل الولايات من أجل إنشاء نواحي عسكرية بدلا عنها، بحيث تحولت الولاية الأولى إلى ناحية عسكرية خامسة كان مركز قيادتها موجودا في باتنة وكانت تحت قيادة العقيد زبيري.
وتحولت الولاية الثانية إلى ناحية عسكرية سادسة كان مركز قيادتها موجودا في قسنطينة وكانت تحت قيادة الرائد العربي برجم، فيما تحولت الولاية الثالثة إلى ناحية عسكرية سابعة كان مركز قيادتها موجودا في تيزي وزو وكانت تحت قيادة العقيد محند ولحاج.
تحولت الولاية الرابعة إلى ناحية عسكرية أولى كان مركز قيادتها موجودا في البليدة وكانت تحت قيادة الرائد عبد الغني، وتحولت الولاية الخامسة إلى الناحية العسكرية الثانية مركز قيادتها بوهران وتحت قيادة العقيد عثمان، وتحولت الولاية السادسة إلى ناحية عسكرية رابعة مركز قيادتها ببسكرة وتحت قيادة العقيد شعباني.
وبخصوص أقصى جنوب الولاية الخامسة أنشئ كيان جديد وهو الناحية العسكرية الثالثة المتمركز ببشار وتحت قيادة الرائد عبد الله بلهوشات.
أشاد بن معلم بتضحيات الرجال البواسل الذين خدموا الثورة منهم مرزوق شريف خوجة الذي كان كاتب قايد الدوار إلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني وعمل لعدة سنوات محافظا سياسيا قبل أن يسقط شهيدا في ميدان الشرف أثناء اشتباك بالقرب من مجانة. وأمثاله الذين تحلوا بشجاعة التخلي عما كان عزيزا عليهم ليهبوا حياتهم لتحرير الجزائر.