كانت فرحتنا داخل الكتائب وسكان المنطقة كبيرة
ملامح الفشل والقبول بوقف إطلاق النار شعرنا بها قبل شهور من 19مارس1962، بالرغم من كوننا بعيدين عن المعارك السياسية التي كان يخوضها بذكاء الفريق المفاوض لجبهة التحرير الوطني، لذا كانت فرحة يوم 19مارس كبيرة بين أوساط كتائب الكريمية اليوسفية والحسانية والحمادية التي كنت أنشط فيها بجبال الونشريس، الأصنام سابقا، يقول “ سليمان الغول” إبن واد الفضة في لقائه مع “الشعب” بمناسبة الذكرى الـ60 لإتفاقيات إيفيان.
“الشعب”: علمنا من خلال لقاءاتنا مع صانعي الملاحم البطولية بقمم جبال الونشريس أنّ الكتائب التي كان ينشط فيها سليمان الغول قد صعدت من ضراوة هجماتها لجيش الإحتلال قبل شهر مارس1962 ما هو الهدف؟
المجاهد والضابط سليمان الغول: خبرة القتال والإحساس بالثورة ومنعرجاتها وسلوك العدو أكسبنا معرفة لتحركاته التي كانت تتلقى ضربات موجهة بفعل الخطة التي كان ينتهجها القائد الرائد بونعامة علمتنا تعامل المحتل لأرضنا الطاهرة في أيامه الأخيرة.
لذا كثفتا من مباغتة قوات فرنسا عن طريق الكمائن التي كانت وسيلتنا الوحيدة في الحصول على السلاح الذي تفتكه من عساكرها بعد كل معركة ومواجهة محكمة وهكذا كانت منطقتنا المعروفة بذلك.
وكنا نشم رائحة النصر الذي لن يطول بعدما أنهكتنا فرنسا الإستعمارية في قمم الونشريس والوديان في بطحية والحسانية والكريمية وبني بوعتاب الذي فشل المستعمر في مغامرة الدخول إليها. لذا انفجرت الفرحة العارمة بين قواتنا المرابطة هناك وهو يشير بيد لقمم الونشريس بولاية الشلف.
الأبطال الذين لازمتهم، ماذا حفظت عنهم خلال أحداث الثورة ؟
كنا أسرة واحدة وعائلة موسّعة مع الشعب المخلص الذي كان يخدمنا وينقل لنا كل المعلومات من لحظة خروج عساكر فرنسا من الثكنة والتي على ضوئها نتحرك رفقة تخطيط قيادتنا، كل واحد بما يستطيع من هؤلاء جميعا، الذين بعضهم يتولى عمل الحراسة من أعلى ما يسمى بـ “لاكريطة” وهو ما تأكد لنا أنّ النصر قريب.
هؤلاء الأبطال الذين لازمتهم أمثال الكومندو جمال من المدية ونور الدين من ندرومة بتلمسان والحسين من تابلاط وخليفة من بوقادير وغيرهم، فشعورهم بالنصر قبل وقف إطلاق النار كان وقودا يلهمنا ويحفزنا على تكثيف الضربات.
هذا الإحساس والإيمان بالنصر تجسّد في إعلان وقف إطلاق النار الذي كان عيد إستقلال بالنسبة لنا لأنّنا نعرف ما معنى الحرب ومحنها وخاصة عندما تحسّ بعدالة قضيته. فالنصر يبدأ منها خاصة عندما تشعر أنّ رفقاءك مصمّمون على الوصول إلى الهدف رغم إحساسهم أنّ كل لحظة تقترب من لحظة الاستشهاد في معركة الشرف. (وهنا إغرورقت عيناه بدمعة صافية).
لحظات النصر صنعتموها، فهل لنا أن نعرف كيف تفاعل سليمان الغول مع حدث وقف القتال؟
تعانقنا عناق الأخوة وكأننا لأول مرة نلتقي، شغف هزيمة العدو لمسناه في هذا اليوم المبارك الذي كان بمثابة عيد استقلال بالنسبة لي. أحسست أنّ ما قدمته كان واجبا طاهرا وإخلاصا لوطني والشهداء الذين طالما تمنوا حضور هذه المشاهد العارمة من الفرحة التي كانت بفضل العمل المسلح والمقاومة حتى بأبسط الوسائل مدعومة من رجال السياسة المخلصين وحتى الرياضيين من فريق جبهة التحرير الوطني.
كنا قوّة واحدة وفرحتنا كانت واحدة وبلدنا كان ولا يزال واحدا موحدا من الشرق إلى الغرب والشمال إلى الجنوب بأطيافه ومناطقه. الفرحة فرحتان بوقف القتال الذي هو بمثابة عيد يشبه الإستقلال في يوميات شعب كسر أنياب المستعمر مثلما قال أحد الضباط الفرنسيين: “فرنسا تركت أسنانها في جبل الونشريس”.