مجاهدو تيزي وزو يتذكرون

الفرحة بوقف القتال عنوان الاستقلال

تيزي وزو/ نيليا.م

أحداث ثورة التحرير لا تزال محفورة في أذهان من عايشوها من سكان ومجاهدي مختلف مناطق الوطن، وتيزي وزو إحدى الولايات التي كتبت اسمها من ذهب في تاريخ ثورة التحرير، وهذا ما نلمسه في شهادات حية لمجاهدي المنطقة بقيت في ذاكراتهم منتعشة.
المجاهد «سي واعلي ايت احمد» أحد هذه الأسماء التي عايشت الخطوات الأولى للثورة وهو لا يزال طالب في المدرسة، ليجاهد بالسلاح والقلم، نظرا لنجابته في الدراسة ما دفع بمجاهدي المنطقة للاستنجاد به من أجل الاهتمام بالمراسلات أثناء الثورة، لتكون الكتابة وتزويد القادة بالتقارير من المهام الموكلة إليه، إلى جانب الرد على الأخبار المغلوطة التي كان القادة الفرنسيون يذيعونها لإفشال الثورة.
المجاهد السي واعلي يتذكر إعلان خبر وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 على مختلف الإذاعات «إذاعة تونس، صوت العرب، إذاعة RTL وإذاعة RP  «، وهو متواجد داخل إحدى مراكز القيادة بغابة «بونعمان» ببلدية زكري، أين كان رفقة أعضاء المجموعة بصدد كتابة تقارير.

أجهزة المذياع الصغيرة  .. كانت الرفيق

 عاد المجاهد السي واعلي إلى تاريخ 19 مارس 1962 ليروي لنا أنه في اليوم الذي سبق تاريخ وقف إطلاق النار، وبالتحديد بتاريخ 18 مارس كانوا منهمكين في عملهم في الكتابة، ولكن كانوا دائما يشغلون أجهزة الراديو الصغيرة، ليسمعوا صوت بن يوسف بن خدة يصدح ويعلن عن نجاح مفاوضات ايفيان والتوصل إلى قرار وقف إطلاق النار عبر كامل التراب الوطني والذي سيدخل حيّز التنفيذ في حدود منتصف النهار من اليوم الموالي، معطيا بذلك تعليمات بعدم إطلاق النار أو الاشتباك مع العدو حتى وإن استفزوهم.
يقول السي واعلي : «الخبر المعلن عنه عبر مختلف الإذاعات أسعدنا جميعا، خاصة وأنّ الثورة قد تكبدت عدة خسائر وكنا يوميا نفقد أرواحا ويستشهد رفاقنا، ناهيك عن الحرمان والفقر والجوع، فلم نكن نجد لقمة نسدّ بها جوعنا، لهذا فإنّ خبر وقف إطلاق النار كان متنفسا لنا جميعا».

طائرات حربية تحوم فوق رؤوسنا أطلقت متفجرات 

 السي واعلي عادت به ذاكرته إلى ذلك اليوم المشهود، وهم يترقبون حلول الساعة منتصف النهار من أجل الخروج من مغارتهم وخيماتهم التي نصبوها بغابة بونعمان، بتاريخ 3 جانفي 1962، والتطبيق الفعلي لقرار وقف إطلاق النار، ليتفاجأوا بثمانية طائرات حربية تحمل مواد متفجرة، وهي تحوم فوقهم وهذا قبل 5 دقائق فقط من دخول القرار حيّز التنفيذ.
 الأمر الذي دفع بهم إلى الإختباء وعدم إصدار أيّ حركة كي لا يتم اكتشاف أماكنهم، لتقوم تلك الطائرات بإسقاط دلاء خاصة كتب عليها حرفي» BS» وهذا لخداع الرأي العام العالمي أنّهم لا يستخدمون أسلحة محظورة، إلا أنّها كانت فعلا تحوي على مادة متفجرة تشتعل فور احتكاكها بالأرض ولا يمكن إطفاؤها إذا ما أصابت أحدهم.
 إلا أنّ تلك الطائرات لم تصب أيّ أحد منهم، لتغادر المكان بعدما عجزت عن اكتشاف مخبئهم، وعند حلول الساعة منتصف النهار خرجوا وهم في قمة سعادتهم، لكنهم لم يغادروا الغابة إلا بتاريخ 22 مارس 1962 بأوامر من الكولونيل «سي عبد الحاج» وانتظروا تلك الفترة خوفا من عودة القتال مجدّدا و خرق اتفاقية وقف إطلاق النار.
 
22 مارس نزلنا من الجبال... ودخلنا القرية

 بتاريخ 22 مارس خرج السي واعلي رفقة الكولونيل و45 شخصا كانوا بغابة بونعمان، واتجهوا إلى القرية وقد كانوا يحملون الأسلحة للاحتياط والحذر من أيّ هجوم مباغت أو استفزاز، خاصة وأنّ المراكز العسكرية للجيش الفرنسي ما تزال بالمنطقة ولم يغادروها بعد، ليغيّر بعضهم الوجهة، في حين، وصل رفقة آخرين طريقهم إلى القرية، ضاربين موعدا للالتقاء مجدّدا من أجل الاجتماع مع رئيس اللجنة الوطنية لوقف إطلاق النار الذي سيزور المنطقة خلال أيام.
يصف هذا المجاهد الأجواء في القرى بعد تطبيق قرار وقف إطلاق النار بالقول:» كان مزيجا بين الفرج والألم وحتى البكاء، لأنّ العديد من العائلات وقتها فقدت أبناءها في المعارك واستشهد الكثيرون مخلفين أرامل ويتامى، إضافة إلى الجوع والبؤس والحرمان، في حين، بقيت عائلات أخرى تنتظر على أمل عودة أبنائها من تونس وخروج المساجين».  ويضيف:» إلا أنّ الفرحة من انتهاء المعارك وعدم موت آخرين أعاد الأمل للعائلات وأدخل الفرحة في قلوب السكان، فهي بالنسبة إليهم فرحة تفوق فرحة الإعلان عن الاستقلال.»
ويؤكد السي واعلي أنّ تاريخ وقف إطلاق النار مرحلة مهمة في تاريخ ثورة التحرير التي تلتها تواريخ أخرى، إلا أنّه كان الباب نحو الحرية وإنهاء أسطورة فرنسا التي لا تهزم ولا تقهر، لتدخل الجزائر تحديات أخرى من أجل النهوض بالوطن وإنهاء معاناة الشعب الذي خسر الكثير خلال الحرب.
 المجاهد «المنصبة ارزقي» المدعو «ارزقي ميرة «

 وقف إطلاق النار عرس جماعي شمل كل الوطن

 المجاهد «المنصبة ارزقي» المدعو «ارزقي ميرة» هو أيضا من مجاهدي منطقة القبائل الذين سجلوا أسماءهم بأحرف من ذهب في تاريخ ثورة التحرير، ولا يزال لليوم، يتذكر تاريخ 19 مارس 1962 الذي أنهى معاناة شعب أنهكته الحرب والمعارك ضد دولة لا تعترف بحقوق الشعوب في الحرية، قد عادت به ذاكراته إلى الليلة التي سبقت هذا التاريخ وهي ليلة 18 مارس 1962، عندما خرجوا من الغابة وقصدوا أحد المنازل في القرية، حينها كانوا يتتبعون الأخبار على جهاز المذياع ليستمعوا لخطاب بن يوسف بن خدة يذيع خبر نجاح اتفاقيات ايفيان والتوصل لقرار وقف إطلاق النار، لتملأ زغاريد النساء أرجاء القرى، والصراخ والهتافات إلى جانب مختلف الأغاني.
 لتتحول أجواء الترقب والخوف إلى أجواء من الفرح والسعادة وأنهت ذلك الليل الطويل المظلم، في حين، قاموا هم بالعودة مجدّدا إلى الغابة من أجل تقصي الخبر والتأكد من صحته خوفا من الإشاعات وبتأكدهم من صحة الخبر، دخلوا في مرحلة جديدة أين عادوا إلى القرى التي يمنع عليهم دخولها بالزيّ الحربي، مع التقيّد بتعليمات القادة بضرورة توخي الحيطة والحذر خوفا من الغدر، خاصة وأنّ الجنود الفرنسيين لم يغادروا تلك المناطق.
ويضيف المجاهد «ارزقي ميرة»:»  إنّ فرحة الإعلان عن وقف إطلاق النار امتزجت بالحزن بعد استشهاد الكثيرين، فهناك من فرح وهناك من حزن وهناك من كان يترقب عودة أبنائهم، إلا أنّهم في الأخير حققوا رسالة الشهداء الذين حذروهم من الاستسلام وهو يلفظون أنفاسهم الأخيرة وينطقون الشهادة.»
 
المجاهد «ايت بوجمعة احمد»
الخبر اعتقدناه في البداية مجرد إشاعة

يروي المجاهد «ايت بوجمعة احمد» أنّهم سمعوا بمسألة المفاوضات بين الوفد الجزائري والفرنسي من أجل التوصل إلى قرار وقف إطلاق النار، ويقول:» بسبب كثرة الإشاعات من طرف المسؤولين الفرنسيين الذين كانوا في كل مرة يتعمّدون إذاعة الإشاعات من أجل إفشال الثورة، أصبحنا لا نصدق أيّ خبر نسمعه دون التأكد منه».
ويضيف:» لهذا عند إذاعة خبر التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين وعلى كامل التراب الوطني، بتاريخ 19 مارس 1962، خفنا في البداية أن يكون مجرد إشاعة أخرى وانتظرنا حتى تأكدنا من صحته، لتبدأ الأفراح والزغاريد في كل المناطق».
ويشير:» تلك الفرحة الكبيرة امتزجت في كثير من الأحيان بالألم، نظرا للوضعية المزرية التي تتخبط فيها القرى، ناهيك عن استشهاد الكثيرين، ولكن توقف القتال كان مكسبا للثورة الجزائرية وأنهى سلسلة المعارك التي كانت تحصد الأرواح لندخل في مرحلة للملمة الجراح ونشر الأمل بغد أفضل».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024