يرمـز للانـتـماء

قـصــة عـــلــم الجــزائـر

سهام بوعموشة

للعلم الجزائري قصة وتاريخ منذ العهد العثماني إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962، كان سلاحا معنويا لمجاهدي جيش التحرير وكان الشهيد يغطى به تحت زغاريد النسوة. كان العلم يحمل قيمة في نفسية المواطن الجزائري الذي يعتز بهويته، ودلالات رمزية للإستقلال والحرية والسيادة.

حمل علم الدولة العثمانية شكلين، أحمر وأبيض أي اللون الأحمر والهلال والنجمة باللون الأبيض، أخضر وأبيض أي اللون الأخضر والهلال باللون الأبيض يرمز إلى الجانب الديني وهو ما رفعته المقاومة الجزائرية فيما بعد.
شهدت المقاومة المسلّحة ضد الاحتلال الفرنسي عدة أعلام ترمز إليها وذلك نظرا لتعدّدها، حيث اتخذ كل قائد علمه المميز الذي يرمز إليه وذلك لكونها غير موحدة تحت علم أو راية واحدة تؤتمر بقيادة واحدة وذلك يعود إلى تباعدها في الزمان والمكان.

علم الأمير عبد القادر

قام الأمير عبد القادر الذي أراد إقامة الدولة الحديثة بإرساء كل قواعد الدولة وفي مقدمتها العلم الذي يختلف عن علم الدايات، حيث استبدل اللون الأحمر لعلم الدايات الرسمي السابق باللون الأخضر والأبيض الذي رسمت عليه يدّ مبسوطة كتب عليها الآية القرآنية: «نصر من الله وفتح قريب».
فكانت الألوان في الأعلى والأسفل بالأخضر والوسط أبيض، كان يحمل دلالات روحية دينية تستمد من العقيدة الإسلامية.

علم أحمد باي
احتفظ أحمد باي باللون الأحمر كإستمرار لرمز الدولة العثمانية والشكل المستطيل وأضاف له رسما ولونا جديدا هو سيف ذو الفقار باللون الأبيض، أما المقاومات الشعبية الأخرى التي شهدها الوطن كانت تتقارب في ألوانها وفي الرمزية الدلالية التي تعود إلى العقيدة المحمدية التي يميزها اللون الأخضر والتي كانت ترفع في وجه النصرانية التي كانت جيوش الاحتلال الفرنسي تمثلها.
ومن بين تلك الأعلام علم الشيخ المقراني الذي كان لونه أخضر وعلم الشيخ بوعمامة وعلم الشيخ أمود، حيث كانت تلك الأعلام تحمل الدلالة الجهادية لحثّ الناس على قداسة العمل ومشروعيته الدينية والوطنية.
وفي سنة 1910، رفع الجزائريون أول علم باللون الأخضر وبه هلال أبيض في مظاهرات سلمية بمدينة سكيكدة إثر الإضراب الذي شنّه عمال المرسى استنكروا فيها مظالم الحكام وطالبوا بمنحهم الحرية.
 وقد ردّ الفرنسيون بالقمع محاولين نزع العلم من المتظاهرين وأطلقوا الرصاص عليهم، مما أدى إلى إصابة العديد منهم، حسب رواية أحد شهود العيان الذي عاش الحدث في فيلم وثائقي بثه التلفزيون الجزائري عام 2012، حول تاريخ العلم الجزائري.
وقد ظهرت محاولات لرفع أعلام خلال سنتي 1912 و1914، وكان دائما باللون الأخضر.
ظهور العلم الوطني في شكله الحالي في 5 أوت 1934
يقول يوسف الخطيب قائد الولاية الرابعة التاريخية في كتابه «حزب الشعب الجزائري»،إن العلم الوطني شكّل أهمية لدى الحركة الوطنية وبدأ التفكير في اتخاذ علم أخضر وهو اللون المشهور في الإسلام وتمّ النقاش حول شكله ولونه الذي كانت قيادة نجم شمال افريقيا ترغب في أن يكون ذا دلالات وأبعاد جامعة.
ويقول راجف بلقاسم من مؤسسي نجم شمال إفريقيا وشارك في وضع اللمسات الأولى للعلم الوطني: «عقد اجتماع بباريس بالدائرة العشرين بمنزل أحد المناضلين يدعى حسين عاشنو، وأختيرت ثلاثة ألوان للعلم وهي الأخضر والأبيض والأحمر، وتمثل هذه الألوان الأقطار الثلاثة: تونس، الجزائر والمغرب وترمز إلى إتحاد المغرب العربي».

زوجة مصالي من أحاكت العلم

وفي صيف 1934، تمّت خياطة العلم من طرف زوجة مصالي الحاج بعد الاتفاق عليه ورسمه خلال اجتماع المكتب السياسي على الورق الذي أعد مع الألوان لأجل ذلك، في هذا الصدد يقول بنجامين ستورا: «قامت زوجة مصالي بخياطة العلم المرسوم لها في الورقة المعدّة بعد الاتفاق عليها من طرف المكتب السياسي للنجم، وبعد أن اشترى مصالي القماش الثلاثي اللون قامت هي بتشكيل الرسم على القماش مثلما اتفق عليه».
ويقول مصالي الحاج في مذكراته: «إن زوجتي أخبرتنا بأنها قد خيطت علما أثناء وجودها بتلمسان وأنها أخفته عند أختها خيرة، كان المشكل في كيفية إيصال هذا العلم إلى الجزائر في الوقت المناسب، فتكلمنا في الهاتف إلى تلمسان يوم 12 جويلية وطلبنا من أصدقائنا أن يبذلوا كل ما في وسعهم لإيصاله إلينا».
ويضيف: «فبعد انتظار طويل وصل إلينا يوم 13 جويلية في العشية، لا يسعني أن أقول كيف كانت فرحتنا، ثم كان يجب أن نسرع للقيام ببعض الرتوشات وبوجود مقبض للعلم».
  أما عن ظهور العلم الجزائري في شكله الحالي لأول مرة كان في 5 أوت 1934، ويقول مصالي الحاج: «أكثر من ثمانمائة جزائري حضروا جمعية عامة للمنظمة، وكان الاجتماع يكتسي أهمية كبرى لأنه وللمرة الأولى قدم العلم الجزائري «أخضر وأبيض وفي وسطه هلال ونجمة بالأحمر».
وكان يتصدّر الموكب قادة حزب الشعب بالجزائر يتقدمهم مصالي الحاج وبجانبه زوجته، وتشير جريدة الأمة الصادرة في 1 أوت 1937، إلى مشاركة ما بين 20 و25 ألف جزائري في المسيرة.
ويصف مصالي الحاج ردة فعل الجزائريين عندما شاهدوا العلم الوطني لأول مرة: «إن رؤية هذا المشهد العظيم جعلت الجزائريين يقفون كرجل واحد وهم ينشدون ويصفقون، إن صيحات «يحيا الإستقلال» و»يحيا نجم شمال إفريقيا»، إن حفلة كهذه لم تقع أبدا منذ 1830 وهي السنة التي سلب فيها وطننا».
ويضيف: «وكان الجزائريون والجزائريات يقبّلون العلم الوطني ويصلون ويبعثون هتافات الفرح والزغاريد، وكان الناس ينزلون من أعالي القصبة والدموع في أعينهم وأناشيد حزب الشعب الجزائري فداء الجزائر».
ويشير مصالي الحاج في مذاكراته: «لقد تحدّث الجزائريون والجزائريات في المدن والأرياف مدة طويلة عن هذه المظاهرات التي رفع فيها العلم الجزائري».
وتحدثت الصحافة الإستعمارية عن المظاهرة وفرحة الجزائريين بعلمهم معتبرة الحدث بأنه خطر على الجزائر الفرنسية ودعت لضرب هذه الحركة الوطنية ورموزها، وعلقت جريدة L’echo d’Alger   على المسيرة في مدينة الجزائر: «إن مفاجأة اليوم الكبرى هي المسيرة الضخمة التي تفرقت على نشيد مصالي، وعلى صراخ «الحرية للجميع، مدارس عربية، إن أنصار نجم شمال إفريقيا وأحباب الأمة كانوا يسيرون خلف علم أخضر ويحملون لوحات كتب عليها بالعربية «حزب الإستقلال الجزائري».
ولم تقف الإدارة الإستعمارية صامتة، ففي 24 جانفي 1935 حكمت محكمة باريس على مصالي الحاج بالسجن لمدة 6 أشهر وتغريمه مائتي فرنك، وعلى بلقاسم راجف بثلاثة أشهر ومائتي فرنك من أجل عرقلة انتشار فكرة العلم وإيقاف قيادة النجم صاحبة الفكرة حتى لا تتجرأ مرة أخرى على العودة إليه.
في المقابل، شهدت سنة 1936، تطورا في نشاط نجم شمال إفريقيا لاسيما في نشر فكرة العلم وجعله واقعا معبرا عنه في كل ساحات مجالات نشاطاته، ووضع النجم كهدف في برنامجه هو نقل العلم الجزائري إلى الجزائر وجعله حقيقة يعيشها الشعب الجزائري ويتغّنى بألوانه.
وحسب يوسف الخطيب، فقد شهدت سنة 1936 حضورا بارزا للعلم الجزائري في مظاهرات 14 جويلية بباريس، وشهدت المدن الكبرى حضوره في المسيرات التي شارك فيها الجزائريون مثل مدينة ليون.
وتعتبر أول تزكية جماعية حول العلم في اجتماع الحركة الوطنية في مؤتمرها الأول المنعقد ما بين 2 و4 مارس 1945، حسب ما يؤكده محفوظ قداش في كتابه تاريخ الحركة الوطنية.
 
خياطة 300 علم في 30 أفريل 1945
 
وتحضيرا لمظاهرات الـ8 ماي 1945 للإحتفال بالإنتصار على النازية، أسندت لمناضلين معروفين ولشخصيات نضالية مشهود لها بالتضحية مهمة خياطة العلم الوطني، ويقول الدكتور مصطفى مصطفاوي عضو حزب الشعب وأحد المشرفين على التحضيرات للمظاهرات بالعلم الوطني: «أسندت مهمة خياطة العلم للذين كانا يحترفان مهنة الخياطة في المحل الواقع في الطابق الثاني والمتواجد بـ18 شارع سوق الجمعة بالقصبة السفلى».
ويضيف: «هذا المحل وضع من طرف مفدي زكرياء ومحمد هني-...(المكي)- تحت تصرّف المنظمة ومسؤولها السعيد عمراني، والذي بدوره وضعه تحت تصرّف سماعي عبد الرحمن حتى يجعل فيه محلا مهنيا يحوي نشاطا فعليا ومموها بذهاب وإياب الزبائن المفترضة..».
ويقول أيضا: «هكذا أقام السعيد عمراني مسؤول منظمات الحزب على المستوى الوطني على توزيع نموذج العلم الوطني على القسمات عبر الوطن، وكلّفهم بصنعه. حيث تقرّر رفعه بمناسبة عيد النصر على النازية».
أما بالنسبة لخياطة العلم بالمحل، فقد كلّف السعيد عمراني أختيه السيدتان فاطمة وزهور عمراني وهما خياطتان متحصلتان على دبلوم في الخياطة لتقوما بالمهمة في محل الشاعر مفدي زكرياء، وكان بالمحل غرفتان واحدة للخياطة وأخرى للإجتماعات، وقد تمّت خياطة 300 علم في 30 أفريل 1945. بحسب شهادة ابن السعيد عمراني في ندوة حول العلم بجريدة الشعب في 12 ديسمبر 2009.
وتقول زهور عمراني في شهادتها في حصة تلفزيونية بثت سنة 2008: «كنا نشتري القماش كل مرة من لون حتى لا ينتبه إلينا، وفي البيت نخيطه وكنا نسلّم العلم المخيط إلى نساء كن يأتين لا نعرفهن ولكن بعد أن يقدمن كلمة السر يأخذن الأعلام».
وكانت منظمات الحزب عبر القسمات داخل الوطن تقوم بخياطة الأعلام طبقا للنسخة المرسلة إليهم في سباق مع الزمن، حتى تكون حاضرة يوم الإحتفالات بعيد النصر لتخرج بالعلم الجزائري الذي يحمل كل المطالب الوطنية في شكله ورمزيته.
 وبالفعل، رفع سعال بوزيد العلم الجزائري خلال مظاهرات 8 ماي 1945، فأطلق عليه الفرنسيون النار عندما شاهدوا الراية الوطنية وتمّت تغطيته بالعلم.

رمز السيادة لا يقبل النقاش

وقد نصّ بيان أول نوفمبر على العلم كرمز للسيادة الوطنية لا يقبل النقاش، فكان العلم هو السلاح المعنوي لمجاهدي جيش التحرير الوطني في انطلاقته الأولى، حيث يقدّمون له التحية في اللقاء والإنصراف، وكان للعلم حضوره في الإنتصارات العسكرية لجيش التحرير، ويزجى الشهيد بالعلم عند استشهاده.
وتضمنت وثيقة الصومام نصّ صريح يتحدّث عن مكانة العلم والتعبير عنه باللفظ والرمزية والمعاني الدلالية لمفهوم السيادة والإستقلال الوطني. ونصّت على رفع العلم الوطني إذانا باستعادة السيادة الوطنية.
ورسم العلم بألوانه وشكله في الأوراق الرسمية لجيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني، حيث يتوسّط الورقة في أعلاها وكذلك الرخص الرسمية وكل الأوراق المتداولة من طرف أجهزة الثورة.
- شهداء سقطوا والعلم في أيديهم:
1 ماي 1945:
- شهيد واحد بوهران.
- أربعة شهداء بالعاصمة كان أولهم محمد بالحفاف ثم لحق بهم 7، بعد أيام فكان مجموعهم 10 شهداء.
8 ماي 1945:
- سعال بوزيد بسطيف 8 ماي 1945.
- محمد بن مراح بالبليدة.
- بومعزة بخراطة 9 ماي 1945.
- قالمة 9 ماي 1945، ثم بقية شهداء انتفاضة العلم، 6 شهداء في مظاهرات 14 جويلية بفرنسا 1952 وهم عبد الله باشا، محمد تيجاني، الطاهر معجب، عبد القادر درانيسي، داود العربي، محمد يلول.

 شهداء 11 ديسمبر من الأطفال فقط:
صحصار السعيد بديار المحصول عمره سبع سنوات، فريد مغراوي بديار المحصول عمره 10 سنوات، صليحة وتيقي بديار المحصول عمرها 12 سنة.

 شهداء اليوم الوطني ضد التقسيم: في 5 جويلية 1961 ببلكور استشهاد طفلة كانت تحمل العلم.
رأت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بعدما تمّ التوقيع على اتفاقيات ايفيان في 18 مارس 1962 وتوقيف القتال، بعدما شرعت في التحضيرات للإستفتاء الوطني حول تقرير المصير أنه لابد من وضع مقاييس خاصة بالعلم الوطني الذي سيرفع في السفارات والمحافل والتنظيمات الدولية وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة، وسيرفع كل البنايات الرسمية للدولة الجزائرية بعد إعلان استقلالها.
لذلك أقرت في إجتماعها المنعقد في 3 أفريل 1962 بتونس، حيث مقرّ الحكومة المؤقتة قرار إعادة ضبط العلم الوطني وفقا للمقاييس العلمية الخاصة، وأسندت المهمة إلى المهندس التونسي المختار لعتيري المتحصل على شهادة من المدرسة المتعدّدة التقنيات بباريس وكان صديقا للثورة الجزائرية، فقام على الفور بتحديد المقاييس والمعالم النهائية بالنسبة للشكل والألوان في رسم متناسق ومميز لألوانه الثلاثة الأخضر والأبيض والنجمة والهلال باللون الأحمر.
بعد استفتاء تقرير المصير يوم 1 جويلية 1962، وظهور النتيجة بنسبة 97.4 بالمائة بنعم يوم 02 جويلية ثم في 3 جويلية 1962، رفع العلم الوطني بسيدي فرج من طرف قيادة جيش التحرير للولايتين التاريخيتين الـ3 والـ4 بحضور ممثلين عن الولايات الأخرى وجمهور كبير جاء من كل الجهات ليعيش تلك اللحظات الرمزية.
وطلب العقيد حسان قائد الولاية الرابعة من العقيد أمحمدي السعيد قائد الولاية الثالثة التاريخية لكونه الأكبر سنا أن يرفع العلم فكان مشهدا عظيما. وفي يوم 5 جويلية رفع العلم بمقر الدوائر الرسمية بكامل القطر الجزائري في احتفالات شعبية كبيرة.
ورفع العلم في تاريخ 28 أكتوبر 1962، يوم استرجاع السيادة الوطنية على الإذاعة والتلفزيون، حيث أقدم المجاهد عبد العزي شكيري الذي كان تقنيا بالمؤسسة وقتها على انزال العلم الفرنسي من المبنى وتعويضه بالراية الوطنية.
ورفع العلم الوطني الجزائري بمقر هيئة الأمم المتحدة في الساعة 12 ظهرا، أي في منتصف النهار من طرف الرئيس أحمد بن بلة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024