عرفت جبال “الظهرة” الواقعة شرق ولاية مستغانم إبان ثورة التحرير المجيدة عدة أحداث بطولية خلدتها الذاكرة الجماعية، ولا تزال تحتفظ بها إلى الآن، من خلال المواقع التاريخية والتذكارية التي تمجّد تضحيات الشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف من أجل استرجاع السيادة الوطنية.
من مواقع اشتباكات الفاتح نوفمبر 1954، ومن بينها “الجندرمة” إلى المغارات التي اجتمع فيها المجاهدون للتحضير للكفاح المسلح، مرورا بمعتقلات ومزارع التعذيب للمستعمر الفرنسي والمعارك التي خاضها جيش التحرير الوطني ضد الجيش الاستعماري الفرنسي على غرار “سيدي الزقاي” و«جبل السيخ”، تبقى الظهرة متحفا مفتوحا على الهواء الطلق تخلد بطولات الشهداء والمجاهدين.
وبالرغم من مرور ستة عقود ونيف، لا تزال المعالم التاريخية التي تروي أحداث الثورة التحريرية المظفرة ماثلة للعيان أبرزها مغارة الشهيد بن عبد المالك رمضان التي أقيم بالقرب منها متحف للشهيد، وكذا دار برجي الذي استشهد رفقة ابن أخيه في ملحمة بطولية، في 22 ديسمبر 1954، ومعتقل التعذيب للمستعمر الفرنسي بمدينة سيدي علي.
وحرصا منها على بقاء هذه الذاكرة حية وخالدة، قامت مصالح المديرية الولائية للمجاهدين، على مدار السنوات الماضية، بعمليات لترميم المعالم التذكارية (10 عمليات) لمعركة الهناينية (1961)، ومعركة زاوية الشيخ بلحول (1960)، ومغارة سيدي يوسف بأولاد بوزيان (1954)، ومعلم الشهداء الثلاثة بأولاد بوراس (1958)، ومكان استشهاد بن عبد المالك رمضان وموقع الزيتونة الذي احتضن اجتماعاته بالمناضلين، عشية الفاتح نوفمبر 1954، حسبما صرحت به لوكالة الأنباء الجزائرية مديرة المجاهدين وذوي الحقوق دليلة بن مسعود.
وقامت السلطات المحلية مؤخرا بإنجاز السجل الذهبي لولاية مستغانم وهو وثيقة تاريخية هامة تتضمن مختلف الأحداث والشخصيات توضع تحت تصرف الباحثين والمؤرخين والمهتمين بالتاريخ الوطني عند الحاجة.
وقالت بن مسعود من خلال 150 صفحة لهذا السجل، يتعرف القارئ بشكل بسيط وجذاب من خلال الصور والخرائط على تاريخ مستغانم الثوري ودورها إبان المقاومات الشعبية والمسار النضالي لعدد من الرموز، على غرار بن عبد المالك رمضان وبرجي عمر وبن بحي بلقاسم وبلعربي عبد القادر وبوبكر بوحسون وغيرهم.
ولم تكد تنتهي السنة الماضية حتى قام القطاع بإنجاز المسار التاريخي للشهيد بن عبد المالك رمضان الذي يضم كل الأحداث المتعلقة بهذا البطل، من خلال زيارة خمسة مواقع تتوزع بين بلديات بن عبد المالك رمضان وحجاج وسيدي لخضر وسيدي علي، في انتظار إنجاز مسارات أخرى تستهدف بالدرجة الأولى العدد الكبير من زوار المنطقة خلال موسم الصيف.
المتحف.. قطعة من الظهرة وجزء من الثورة
ومن جهته، يعكف المتحف الولائي للمجاهد على تحيين برامجه المتحفية عند إنجاز مختلف الأجنحة والمعارض مع التركيز على المقتنيات النادرة والحرص على تكييف طرق ووسائل عرضها لتلائم مختلف الشرائح ولاسيما تلاميذ المدارس، وفق مدير هذه المؤسسة بلال دقيوس.
وزيادة على المتحف الذي يخلد مختلف مراحل الثورة التحريرية المجيدة والمقاومة الشعبية تقوم هذه المؤسسة التي تعنى بالذاكرة بنقل هذا الفضاء إلى مختلف المدارس ومرافق التكوين المهني والتعليم العالي لتسليط الضوء على تاريخ وأمجاد الوطن.
ولتقريب الرسالة التاريخية من الجمهور وخاصة ذاكرة الشهيد يقوم المتحف باستبدال السرد اللفظي بأسلوب المحاكاة ويضع الزائر أمام نموذج لمغارة “بداني يوسف” التي اجتمع فيها المجاهدون عشية تفجير الثورة المجيدة، فيجد الزائر نفسه داخل مكان مماثل وزمان مشابه من خلال كل المجسمات والمادة المتحفية التي تحاكي الأحداث والوقائع، قال دقيوس أنها قطعة من الظهرة وجزء من الثورة في قلب المتحف.
ويولي المتحف أهمية بالغة للمسار التاريخي للشهيد بن عبد المالك رمضان، من خلال جناح خاص لهذا القائد الفذ عضو مجموعة 22 التاريخية وأول شهداء المنطقة، يمكن نقله حسب الضرورة إلى متحف الشهيد بالبلدية التي تشرفت بحمل اسمه (شرق مستغانم) أو إلى أيّ مكان آخر تعبيرا عن عمق الرسالة التي ناضل من أجلها “سي عبد الله”، وهو يقطع الفيافي ويشق الجبال من قسنطينة مسقط رأسه إلى مستغانم حيث سقط في ميدان الشرف.