الرايس حميدو من أشهر رياس البحر الجزائريين في العهد العثماني من أبوين جزائريين بنواحي بومرداس، والده كان خياطا في الجزائر العاصمة، من مواليد 1770 البعض يقول 1773. حسبما يوضحه البروفيسور تابليت.
ويضيف: «كان يجلس جلسة القرفوصاء مع والده الخياط يشاهد السفن القادمة والخارجة، أحب البحر حاول دخول البحرية في الجزائر العاصمة لم يقبل، انتقل إلى وهران وكان محل ترحاب، كان يقطن بالأبيار ومنزله حاليا تم تحويله إلى مستوصف. «
يقول البروفيسور تابليت أنّ الرايس حميدو كانت لديه غنائم كثيرة سواء في المحيط الأطلسي أو البحر المتوسط، بعدما أصبح لديه سمعة طلبه داي الجزائر، فجاء وبدأ يترقى شيئا فشيئا إلى أن أصبح أميرال البحرية الجزائرية.
في هذا الصدد، يوضح أنه بالانجليزية كان يسمى أميدو والبعض أميدا النطق بالحرف العربي، ويشير إلى أن الأمهات الأمريكيات كنّ يخوّفن أبناءهن بالرايس حميدو.
البحارة الجزائري
كان جاره القنصل البريطاني، هذا الأخير لديه ابنته تسمى إليزابيث كتبت عن حياته لأنه كان يزورهم من حين لآخر، فيه تمثال في متحف الجيش هي صورة غير حقيقة، لا يستشيرون المختصين.
كتب عن حميدو، الأسرى والدبلوماسيين والشعراء، منهم أسير في المحيط الأطلسي رفقة مجموعة اسمه فيليبوباننتي شاعر إيطالي وصف الرايس حميدو وصف دقيقا من حيث الطول والعرض وملامحه ولون بشرته ومعاملته للأسرى. فيه من الدبلوماسيين القناصلة أمريكان الذين كتبوا عنه.
كا ن له صديق أمريكي ضابط في البحرية وتقاعد وعاش في المغرب كتاجر، لما سمع بوفاة الرايس حميدو انتقل إلى الجزائر وزار بيته في الأبيار، وكتب عنه مقالا طويلا وفيه مجلتين مختصة في البحرية الأمريكية، كتبت مقالين مطولين عنه في حدود 25 صفحة، وكتب عنه القنصل الذين كان السكرتير الخاص لجورج واشنطن، وبعد وفاة هذا الأخير، عيّن قنصلا في الجزائر لأنهم كانوا يعطون قيمة للجزائر.
وليام شلير أيضا كتب عن الرايس حميدو وغيرهم، قيلت عنه قصائد شعرية : أبيات شعرية مترجمة وشهادات دوّنت في حق الرايس حميدو، بعد أن اجتازت سمعته حدود الوطن والبحر المتوسط، وهناك قصيدة شعرية قيلت في حق انتصاره على الأسطول التونسي وأسر قائده في 1808.
قيلت بالعربية، لكن الباحث تابليت لم يجد النص الأصلي بالعربية وترجمت إلى الإيطالية والفرنسية والإنجليزية. وتقول القصيدة:
يتألق حميدو كبرياء وقلبه عامر فرحا ...لقد رجع ومعه سفينة برتغالية وانتصاره باهر ... لقد غلب الكفار واستعبدو... يتوجه نحو قصر السلطان يجر وراءه عبيدا من مسيحيين وسود
يقترب حميدو من تونس..... هو رئيس البحرية ومدافعه تدوّي
يشاهد وزير الباي المنظر بنظارته الحربية... ويقول لهم الجزائريون قادمون
ولكن سرعان ما استولى حميدو على السفينة التونسية وقدم منتصرا.. في حين أسرع العدو لإخفاء عاره
يتجوّل حميدو عبر البحار كسيد والمناطق التي اخترقها خالية من الأعداء
فلتختفي سفنكم الحربية بسرعة وإلا أصبحت في الموانئ فريسة بطل الجهاد.
يقول عنه سكرتير جورج واشنطن توبياس لير، الذي كان قنصلا في الجزائر، خلال الفترة 1803-1812 : « إنّ الأسطول الجزائري المذكور آنفا كان يقوده القبطان الشهير الرايس حميدو الذي يحمل رتبة أميرال إنّه مقدام، مفعم بالنشاط قائد مغامر».
ويضيف:» لم تكن له ميزة أن يكون تركيا وبالتالي لم يرتق في الرتب لأنه جزائري وترقيته في الرتب تعود أساسا إلى نشاطه، فالمغامرة والحظ السعيد جلبا له الغيرة والكره من رفاقه، فهو محبوب من البحارة «.
وليام شلير:» إنّ حميدو ارتقى إلى مركز القيادة بسبب ما كان يتمتع به من الذكاء الحاد والشجاعة الخارقة».
ويذكر ضيف «ذاكرة الشعب» أنّ الرايس حميدو كان له صديق وهو ضابط في البحرية الأمريكية تقاعد، حيث سبق له وأن أقام في الجزائر سنوات، عمل كتاجر بعدما ترك البحرية ثم انتقل إلى المغرب الأقصى ليواصل نشاطه التجاري، وكانا على علاقة جد وطيدة، وبمجرد سماعه خبر وفاة حميدو انتقل الضابط الأمريكي إلى الجزائر في شهر سبتمبر، واتصل بأقاربه وجيرانه وحدثوه عن حياته فكتب مقالا مطولا عن السيرة الذاتية لحميدو نشره في مجلات وكتب.
ويشير المؤرخ إلى أنّ البحارة الأمريكي تأسف لوفاة البحارة الجزائري فكتب في مقاله الذي يحمل عنوان: « تفاصيل عن حياة الرايس حميدو الأميرال الجزائري الأخير» ما يلي: « الرايس حميدو أميرال الجزائر الذي سقط بشجاعة دفاعا عن سفينته في آخر معركة معه مع القائد ستيفن ديكاتور، إنه عربي قام بأول تجربة له وتعرض للخطر والشدة اللذان دفعا به إلى البسالة والشجاعة، ولم يكن ذلك وليدا لأيّ مجال من مجالات الحياة، أما خصائص نشاطه المبكر والتطور التدريجي لميزاجه ومواهبه فهي غير معروفة لأنه لا يوجد في الجزائر لا جرائد ولا تسجيل أحداث تاريخية ليعرف الناس أحداث الماضي ويحافظون على ذاكرة الأعمال البطولية».
وقال عنه الشاعر الإيطالي فيليبو بنانتي، الذي أسره حميدو في 1814، على ظهر السفينة البرتغالية: «لقد كان لي شرف أن وقعت أسيرا في أيدي رايس يسمى أميدو ولو أنّ له بشرة داكنة أو على الأصح كانت ملامحه المخيفة وسلوكه يبعثان على الاشمئزاز، ومع ذلك فإنّ الحكم في الجزائر لا يتغير تقريبا، إذ تمنح القيادة الهامة للإنكشاريين، فهذا الشخص وصل إلى رتبة أميرال كبير على الرغم من أنه جزائري بل أكثر من ذلك، فإنه ينظر إليه بحقارة بسبب عرقه كجزائري».
ويبرز الشاعر الإيطالي أنّ وصول الرايس حميدو إلى السلطة يرجع إلى الإستحقاق والشهرة والألقاب التي يحملها، جعلته يبقى في السلطة على الرغم من كثرة الأتراك الذين حاولوا بكل الوسائل أن يحلوا محله فحميدو يتمتع حقيقة بمواهب وشجاعة جعلت اسمه في مصاف الشخصيات مثل سنان ودراغو(بحارة مشهورين).
وكتب عنه المؤرخ الفرنسي المكلف بتنظيم المكتبة وجمع الكتب ألبير دوفو كتابا قيما سماه «الرايس حميدو» طبع في الجزائر في 1868، يحتوي على 62 صفحة، وقال أنّ البحارة الجزائري فرض شهرته بأعماله المتعددة واستطاع أن ينتصر على سفن حربية لم يكن حميدو تركيا ولا كرغليا بل عربيا من الذين استوطنوا المدينة منذ زمن طويل والذين يطلق عليهم الأهالي تسمية الحضر.
وأضاف:» لقد كان حميدو نشيطا شجاعا كريما لبقا رشيقا وظريفا مع جميع الناس كبارهم وصغارهم، الأمر الذي جعله محبوبا للجميع، كان سريع الإجابة في كل شئ».
وعن قصة استشهاد حميدو، يوضح تابليت أنه بعد استقلال أمريكا في 4 جويلية 1776، لم تعترف بها بريطانيا وحتى الجزائر لأنّ بلادنا كانت لها علاقات مميزة مع بريطانيا، ولذلك تأخر اعتراف الجزائر باستقلال أمريكا، ما تم إلا في 1795، أي عشرين سنة بعد الاستقلال.
في المقابل، يشير الباحث في التاريخ أنّ المغرب أرسلوا وفدا إلى باريس لرؤية سفراء أمريكا ليقدموا الاعتراف لها، فلما سمع توماس جيفرسون أرسل لهم يخبرهم بالعودة من حيث أتوا، قائلا لهم: « نحن عندما نطلب الاعتراف نحن قادمون».
ولم تكتف المغرب بالاعتراف باستقلال أمريكا قبلنا بل منحت لهم قطعة أرض في طنجة مجانا، أصبحت الآن مركزا ثقافيا أمريكيا.
ويضيف أنه بعد 1814، أعلن الرئيس الأمريكي جيمس ماديسون حالة الحرب ضد الجزائر، وخلال أسبوعين، وافق الكونغرس، ليس من العادة موافقة هذا الأخير في فترة قصيرة، فجمعوا السفن متوجهين إلى الجزائر، وصلوا إلى لشبونة اتصلوا بالسفير الأمريكي يدعى ديفيد هنفريس وسألوه إن كانت هناك سفن جزائرية في المحيط الأطلسي أو دخلت إلى البحر المتوسط، فقيل له إنّ الرايس حميدو عاد توا من المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسط.
ويشير ضيف «ذاكرة الشعب» إلى أنّ الداي في تلك الفترة طلب من البحارة الجزائري إحضار غنيمة أمريكية، مهما كان الثمن، فرد عليه بأنّ أمريكا بعيدة ولا نملك إمكانيات فألح الداي على مطلبه، فخرج الرايس حميدو بسفينته تسمى «مشهودة» هي أكبر، فيها 45 مدفع من 400 إلى 540 بحارة يشرف على هذه المدافع.
ويوضح أنّ البارجة الأمريكية لمحت بارجة على مقربة من رأس «جات» وهي بارجة الأميرال الجزائري «مشهودة» التي يقودها القبطان حميدو المعروف براية حدوة الفرس، وكانت تتجه إلى الجزائر، وعلى الفور شرع الأسطول الأمريكي في مضايقتها ومطاردتها بعدما أنزلوا الراية الأمريكية بقيت واحدة فقط لم تنزل الراية، فقطعوا الأمريكان الطريق على السفن الجزائرية.
وعندما طلب نائب الرايس حميدو الفرار، هذا الأخير ليس من عادته الاستسلام فرفض، وحينها وصلت السفن الأمريكية وأحاطت بسفينته فأغرقت المراكب والأخرى هربت إلى الشاطئ، لكن حميدو بقي يحارب السفن الأمريكية في معركة دامت ساعة ونصف، مثلما أكده القنصل الأمريكي اليهودي في تونس وسفن من أمريكا اللاتينية كانت قريبة من المعركة، عكس ما يدعيه الأمريكان بأنها دامت 25 دقيقة.
ويؤكد تابليت أنّ الضربات الأولى أصابت حميدو بقذيفة تزن 25 رطلا فقسمته نصفين، وهو من تقاليده البقاء دائما على ظهر السفينة، إما يقف وإما يجلس ويدخن الغليون، وهو يلفظ أنفاسه طلب من نائبه بأن ترمى جثته في البحر حتى لا يمسكها الكفار. حيث استشهد ثلاثين بحارة والسفينة أصيبت بعطب شديد.
أخذت السفينة إلى قرطاجنة بجنوب اسبانيا ولم تتمكن الجزائر من استردادها، لأنها تضم أكثر من 300 بحارة جزائري، لما وصلت السفن الأمريكية الجزائر وجدت الأسطول الجزائري في البحر المتوسط والميناء خالي، ففرضوا شروطهم وألغوا معاهدة 1795 التي دفعت فيها أمريكا ما يعادل 20 مليون دولار نقدا وبناء خمس سفن حسب المواصفات الجزائرية من حيث السرعة، الكبر والمدافع وذلك بتهديدهم بقصف المدينة، ما كان على الداي إلا الاستجابة وألغوا المعاهدة التي كانت مؤرخة بالهجري ويقابله ميلادي.
لا نملك الصورة الحقيقية للرايس حميدو
ويشير ضيف «ذاكرة الشعب» إلى أنّ صورة الرايس حميدو الموجودة بمتحف الجيش ليست حقيقية، ويقول:» أحتفظ بصورته الحقيقية التي عثرت عليها في الأرشيف الأمريكي ولم أنشرها بعد «.
ويضيف:» في 1939 ظهرت صورتين للرايس حميدو، كتبت عن هذه الشخصية التي أعشقها كثيرا وفي كل مرة أجد معلومات عنه، المشكلة التي يعاني منها شباب الجامعة اليوم هو عدم التحكم في اللغات لأنّها أساس البحث، لا توجد وثائق بالعربية كل ما كتب عنا من طرف الأجانب الذين يملكون الوثائق خاصة في أمريكا وبريطانيا».