- استطاع قادة الثّورة توحيد الشعب الجزائري حول قضيته العادلة لتصفية الإستعمار الفرنسي، معتمدين على ما نصّت عليه وثيقة بيان أول نوفمبر 1954 التي تضمّنت تحديدا لأساليب الكفاح ضد الاحتلال المستدمر، وكان من بين تلك الأساليب إضراب الثمانية أيام التاريخي الذي استمر من 28 جانفي إلى 4 فيفري 1957، حيث أدّت فئة التجار الجزائريّين دورا أساسيا، ما جعلهم يتعرّضون للتعذيب وتحطيم محلاتهم.
في هذا الصدد ننقل شهادة المجاهد محمود عرباجي (مكلف بالتاريخ والتراث على مستوى ولاية العاصمة)، الذي كان شاهدا على ردة فعل الإدارة الإستعمارية وقواتها الغاشمة على التجار الجزائريين، الذين شاركوا في الإضراب تلبية لنداء مسؤولي جبهة التحرير الوطني.سكــان غردايــة قدّمــوا لنــا مساعــدات غذائيــة مجّانــا
يصف عرباجي إضراب الثمانية أيام التاريخي بأنه أمر عظيم ومحطة من محطات الثورة قرّر تنظيمه أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ، وعلى رأسهم عبان رمضان والعربي بن مهيدي في مؤتمر الصومام لإسماع صوت الجزائر في المحافل الدولية، وإبطال مزاعم فرنسا وأكذوبتها الجزائر فرنسية، حيث استجاب له التجار في العاصمة بشكل كبير لينتشر فيما بعد عبر الولايات.
ويقول المناضل في حديث لـ «الشعب ويكاند»، «كنت في العاصمة عندما بدأ الإضراب ثم انتشر عبر الولايات، آنذاك كانت ثلاث عمالات هي قسنطينة، وهران والعاصمة، كان ياسف سعدي مكلفا بالتنظيم على مستوى العاصمة».
ويكشف أنّ الشّهيد العربي بن مهيدي ذهب عند الباشاغا ابو طالب وهو تاجر معروف، هذا الأخير سلّمه كمية من المال لتوزيعها على الجزائريين قبل بداية الإضراب، لأنّه آنذاك كان أغلبية الجزائريين بسطاء يعملون في الميناء والبعض الآخر يبيع الخضر والسجائر، وكان لابد من توفير مؤونة غذائية لهم تكفي على الأقل لمدة 3 أيام.
وفي هذا السياق، يشيد عرباجي بالمساعدة الغذائية التي قدّمها سكان ولاية غرداية مجانا للجزائريين، حيث تكفل ثلاثة مناضلين بتوزيع المال في سوق الجمعة، منهم مزياني عمار، خليس علي، وللأسف تعرض مزياني للقتل بإطلاق 11 رصاصة لكنه لم يمت.
وحسب شهادة محدّثنا، فإن قيادة جبهة التحرير الوطني أعطت أوامر لكل الجزائريين بالتزام بيوتهم وعدم الإقتراب من الأحياء الأوروبية، ويصف عرباجي أنه في صبيحة يوم 28 جانفي 1957 بدت شوارع المدينة خالية من المارة والدكاكين والمحلات مغلقة، وكانت تلك المشاهد لأول مرة تحدث وقد كتبت عنها الصحف الفرنسية والأوروبية، ما زرع الرعب حتى في نفوس التجار الأوروبيين الذين بدورهم لم يفتحوا محلاتهم.
ويضيف: «كان رد فعل المظليّين الفرنسيّين الذين انتشروا على أسطح المنازل وعلى طول الشوارع همجيا، حطموا محلات الخبازين وأخلطوا الغاز مع الدقيق، وأجبروا التجار بقوة على فتح محلاتهم مهدّدين إياهم بالقتل».
ويروي أيضا أن قوات بوليس الاحتلال اعتقلت الجزائريين وقادتهم إلى ملعب «سانت أوجان» بباب الواد وملعب 20 أوت بمحمد بلوزداد، وألقى القبض على الكثير من الفدائيين بسبب وشاية الخونة، ويشير إلى أنّ الإضراب تزامن مع انعقاد إجتماع جمعية الأمم المتحدة لدراسة القضية الجزائرية، حيث انسحب الوفد الفرنسي منها.
ويقول: «بالنسبة لنا معركة الجزائر كانت مهمة للعالم وفي الداخل «فشلت» لأنه ألقي القبض على الكثير من الفدائيين، وهناك من قتل وهناك من أخذ إلى السجن، كسر المظليّون المحلات، فالإضراب ليس أمر سهلا».
ويضيف عرباجي: «لا ينبغي نسيان دور ثلاثة مناضلين في مؤتمر الصومام وهم محمد لبجاوي، عبان رمضان، وعمر أوزقان ومعهم شخص يدعى «تمام»، ويشير إلى أن الإضراب مثل مظاهرات الـ 11 ديسمبر 1960 رفع من معنويات الجزائريين الذين أظهروا للعالم مدى تلاحم الشعب حول الثورة.
ويؤكّد المجاهد أنّ هذا الإضراب أحدث صدى كبيرا في الحراش، المرأة الإفريقية، السكالة بالأبيار، حيث ألقى عليه القبض وسجن لمدة 6 سنوات، سنة منها قضاها في سجن الحراش وأخرى في سركاجي، أما أربع سنوات فكانت في سجن لامبيز أين تعرّض للتعذيب، ويشير إلى أن بعض الفدائيين التحقوا بالجبال، والبعض الآخر مفقودين.
وفي الأخير توجّه عرباجي بنصيحة للشباب بالتسلح بالعلم والمعرفة لبناء الجزائر مثلما حلم بها الشهداء والمجاهدون الشرفاء، والحفاظ على مكاسب الثورة لاسيما مع التهديدات الخارجية والإقليمية، بقوله: «قمنا بواجبنا..الاستقلال في أعناقكم.. الجزائر غالية..لحد الآن الحركى والأقدام السوداء يبكون على فقدانها».
«الشعب ويكاند» تلتقي المجاهد عرباجي
شاهــد على همجيــة المظــليّين خــلال إضــراب الــ 8 أيــام
سهام بوعموشة
شوهد:684 مرة