فقدت الجزائر في شهر أوت المنصرم العقيد أحسن غرابي، أحد أفضل الإطارات «التي خدمت الوطن بكل إخلاص خاصة في مجال نزع الألغام وبدون مقابل وبشهادة أصدقائه»، حيث أجمعوا لـ «الشعب ويكاند» على كفاءة وحسن أخلاق الفقيد، الذي شكّلت وفاته صدمة لهم ولكل من عرفه، قائلين: «عندما نرى الصلة التي تربط المرحوم بالشهيد زيغود يوسف لا نستغرب خصاله الكبيرة، كيف لا وهو من أحفاد الشهيد».
ساهم أحسن غرابي رفقة أفراد من الجيش الوطني الشعبي في تدمير 819120 لغم من مختلف الأصناف، خلّفها الاستعمار الفرنسي، ممّا سمح بتطهير 50 ألف هكتار من الأراضي التي زرعت مكانها أشجار ترمز للحياة، إلى جانب تجربة تنظيف مناطق شاسعة من اقليم الصحراء الغربية وتفكيك عن طريق التفجير آلاف الألغام التي وضعها المغرب على حدود الجزائر، أمكن بفضل تلك التضحيات التخلص من مفعول أكثر من مليون و35 ألف لغم منها المضادة للأفراد.
كان الراحل يحضّر لندوة حول هجومات 20 أوت 1955 هذا العام، لكن شاءت الأقدار أن يفارقنا قبل المشاركة في هذا اليوم الذي أعّد له ما يستوجب من مادة تاريخية.
وفيما يلي شهادات تمّ رصدها من بعض مقربي الرجل:
الدكتور نزيم غرابي: والدي لقّننا حب الوطن
يقول إبن الفقيد الدكتور نزيم غرابي «كان والدي رجلا ملتزما من أجل الجزائر، وقد لقّن لنا قيمه ومبادئه وحب الجزائر، مبادرة المعهد بتكريمنا هي تاريخ رمزي، الشخصية المهمة بالنسبة إليه، والتي كان يحدثنا عنها هو الشهيد زيغود يوسف، وكان يبحث كثيرا في أحداث 20 أوت 1955 و1956 وهذا شرف كبير، ونأمل أن يستكمل العمل الذي كان يقوم به في الجانب التاريخي».
ويضيف نزيم أنّ والده كان يروي له قصصا عن خاله الشهيد زيغود وهي جزء من تاريخ الشهيد، فقد روت لهم أرملة زيغود أنه ليلة 20 أوت 1955 جاء الشهيد الى القرية، وقد كان مختبئا مع رفقاء السلاح وعندما التقت به اندهشت وسألته عن سبب مجيئه في ذلك اليوم، والذي تزامن مع إقامة عرس بالقرية فكانت تظن أنه جاء لحضور عرس الجيران، فرد عليها بأن العرس غدا إن شاء الله وكان يقصد بذلك تنفيذ هجومات 20 أوت 1955.
ويشير محدثتا إلى أن هناك شهادات قيّمة لقّنها لهم خاصة حب الوطن، قائلا: «إن شاء الله نظرته وعمله في مجال نزع الالغام وقضية الصحراء الغربية تتحقق».
اللواء مجاهد: هذا الصّنف من الرّجال لا يموت
بدموع حارقة، صرّح مدير المعهد الوطني للدراسات الشاملة، اللواء عبد العزيز مجاهد، أن الفقيد «من الرجال القلة الذين نجدهم في عصرنا الحالي، فهذا الصنف من الرجال لا يموت، ويبقى ساكنا القلوب».
ويضيف أن «العقيد غرابي من خيرة أبناء هذا الوطن ومن النخبة المثقفة لهذا الوطن، ومن أكثر الإطارات التزاما ونزاهة وإخلاصا، كلهم يجمعون على أن هذا الإنسان لم نجد فيه عيوبا، بالإضافة إلى أصدقائه، رحمة الله عليه».
ويضيف أيضا أن نفس الخصال لرجل أحيا وشارك في إحياء الدولة الجزائرية، ورجل ثاني ساهم في بناء الدولة الوطنية تنطبق على المرحوم.
مصطفى هميسي: لم يخبرني يوما بأنه أحد أحفاد الشّهيد زيغود
من جانبه أبرز مصطفى هميسي، الرئيس المدير العام لمؤسسة «الشعب»، الدور الذي قام به المرحوم في مجال نزع الألغام التي زرعها الاستعمار في مناطق كثيرة من الوطن، وكان ملفا ثقيلا وهاما جدا بالنسبة للسلطات الجزائرية، ويشير إلى أنّه «تعرّف على أحسن غرابي في تسعينيات القرن الماضي عندما كان يشتغل في رئاسة الحكومة، وكان الفقيد مكلّفا بمكتب الإطارات برئاسة الحكومة وآخر تولاه الأمين العام لمعهد الدراسات الإستراتيجية الشاملة».
ويؤكّد الأستاذ هميسي أنّه «في وقت قصير تمكن رفقةة زملائه من إعادة تنظيم المركز وإعادة الحيوية للمركز، حيث نظّم ندوات كثيرة كلها كلّلت بالنجاح الإعلامي وأحيانا السياسي».
ويضيف أنّه «منذ ذلك الحين تقلّد المرحوم مناصب عمل كثيرة في مجالات كثيرة من بينها بالمعهد».
ويكشف الرئيس المدير لمؤسّسة «الشعب»، أنه بالرغم من معرفته بالفقيد منذ سنة 1990 لم يخبره يوما بأنه أحد أحفاد الشهيد زيغود يوسف العظيم، وهذا كان تعففا منه من استغلال الرصيد التاريخي لخاله زيغود يوسف، فرحم الله الرجل وأكثر من الرجال الذين يتمتّعون بنفس أخلاقه، يضيف محدثنا.
البروفيسور حاشي: فقدنا رجلا طيّبا وصاحب أفعال
من جهته، يقول البروفيسور سليمان حاشي صديق المرحوم غرابي، إنّ أولاده كانوا يدرسون في نفس المدرسة التي يُدرس فيها، والتي خرّجت إطارات مثل ابن حسان الذي أصبح طبيبا كبيرا متخصّصا في الأعصاب وآخر في تخصص الأذن والحنجرة وآخر مهندس وفي حين كان ابنه مؤرخا، وكانا يلتقيان في اجتماعات أولياء التلاميذ.
ويضيف: «عرفته أيضا في المعهد، كان سعيدا بالعمل في المعهد الذي سمح له وأعطاه الإمكانيات بتجسيد ما يريد ويفكّر فيما، الإشكاليات التي كان يفكر فيها جسدها في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة».
ويشيد البروفيسور حاشي بالأعمال الكبيرة التي قدّمها المرحوم غرابي في مجال نزع الألغام، وبشهادة الأمم المتحدة اعترفت بمجهوداته وثمّنتها، من خلال تدخّلاته والتقارير التي كان يعدها.
ويؤكّد: «كانت لدينا مشاريع مشتركة، ثقافية وحول مسألة التاريخ وشخصيات بارزة في تاريخنا، خاصة حول مسار الشهيد زيغود يوسف، فقدنا رجلا طيبا ورجل أفعال. كان دائما ملتزما ولديه ما يفعله من أجل الوطن».
رئيس جمعية ضحايا الألغام: الفقيد لا يهدأ من أجل الجزائر
محمد جوادي، رئيس جمعية ضحايا الألغام سبقته الدموع وبكى بحرقة على صديقه الذي عمل معه سنوات طويلة في مجال نزع الألغام، وسافر معه في الداخل والخارج، وكان رفيقا دائما له، قائلا: «رافقت العقيد غرابي في الداخل وفي الخارج، كان رجلا مخلصا لوطنه ونزيها، وخاصة لضحايا الألغام، ضحايا الحرب المدفونة غير المعلنة، الحرب التي يتّمت الآلاف من الجزائريّين».
ويضيف: «كان أحسن سفير وممثل للجزائر في اتفاقية «أوتاوا» وأبلى فيها البلاء الحسن وطنيا مخلصا، ومجاهدا وهي شهادة للتاريخ لا ينام ولا يهدأ من أجل الجزائر والشهداء والمجاهدين الأخيار، أقدم تعازي للأسرة، 16 سنة عمل داخل وخارج الوطن، هاجم المستعمر والفرنسيين».
ويكشف: «رافعت في الأمم المتحدة بفضل الفقيد غرابي وفي البحر الميت في الأردن وفي أسطنبول، وفي الصحراء الغربية وفي 48 ولاية باسم ضحايا الألغام».
ويضيف أنّ المرحوم كان يشرف سنويا رفقة جمعيات ضحايا الألغام على الصعيد الوطني وبحضور كل أطراف اتفاقية «أوتاوا» التي كانت تعقد سنويا اجتماعا في الجزائر، وتقوم الجزائر بفضل هذا الاجتماع الذي كان ينظمه المرحوم بتفجير الألغام في كل الجهات بتلمسان، بشار، سوق أهراس، تبسة وقالمة.
البروفيسور لعرابة: الفقيد كان مرتبطا بمسائل القانون الدولي الإنساني
يؤكّد البروفيسور أحمد لعرابة، صديق المرحوم، أنه تعرف عليه في التسعينيات في إطار الدراسات التي قام بها في باريس ثم في الجزائر بمعهد الأمن للدفاع الوطني، ويشير إلى أنه في البداية كانت لديه رغبة خاصة في دراسة القانون الدولي، وغرابي كان مرتبطا بمسائل القانون الدولي الإنساني وهذا ما دفعه للاهتمام بقضية نزع الألغام وكان الأب العملي في نزع الألغام، ونظرية الجزائر فيما يخص هذا الملف.
ويضيف: «الطريقة لتخليد مجهوداته هي إحصاء كل ما كتبه وأنجزه من أعمال في هذا المجال، وهي الفرصة للتفكير في مشروعه الثاني وهو قضية الصحراء الغربية».
السّفير السّابق جودي: المجتمع الدولي اعترف بمجهودات الفقيد
يقول السفير السابق نور الدين جودي، إنّه في 2003 عندما كان سفيرا للجزائر كرئيس لمنظمة الأمم المتحدة لمنع الأسلحة الكيمياوية، لم يكن يعرف الفقيد غرابي آنذاك، لكن ما يحتفظ به منذ ذلك التاريخ هو دهشة مجموع الوفد في تدخّلاته في ميدان نزع الألغام.
ويضيف: «كلّنا فقدنا أخا كان فاعلا في خدمة الجزائر في كل الميادين إلى غاية تجنيده مع عبد العزيز مجاهد في معهد الدراسات الشاملة، لقد حصل على التكريم من المجتمع الدولي بالإجماع».
محمد عويشات: غرابي أعماله تخلده
يشيد محمد عويشات، عقيد متقاعد وصديق المرحوم لقرابة ثلاثين سنة بشخصيته وثقافته وكفاءته، مبرزا أنّه قدّم الكثير للمعهد والوطن، ويقول: «لا أعرف أن له أعداء فمحيطه المهني يحترمونه كثيرا، متواضع وملتزم. وفاته كانت صدمة لنا لحد الآن كأنّي لا أصدق أنّه توفي».
ويؤكّد: «حسان لا يموت أبدا، أعماله تخلده، يبقى دائما حاضرا في قلوبنا وعقولنا، خدم الجزائر ولم يأخذ حقه».
وليد العقون: كان يسأل ويستشير
يقول وليد الهقون (أستاذ بكلية الحقوق بجامعة الجزائر)، إنّه أحب في الرجل فضوله العلمي، دائما يطرح أسئلة ويستشير حول عدة قضايا، وكان متواضعا.
الدكتور صويلح: ترك بصمات وله دور فعّال دوليا
يصف الدكتور بوجمعة صويلح (أستاذ القانون) أن العقيد حسان رحمه الله «من أبناء الجزائر في سلسلة التواصل مع الشهداء الأبرار، الذين توفوا أو قدموا للدولة الجزائرية والشعب الجزائري من 1830 إلى 1962، فميزة الراحل أنه كان قائدا محنكا وفي نفس الوقت مثقفا يبحث عن العلم والمعرفة، علاقته بالجامعة تواصلت وبمؤسسات المجتمع المدني التي تفاعلت كثيرا»، ويضيف: «أعطى مضمونا للذاكرة الوطنية ليس في موضوع الألغام فقط وإنما في قضية محاربة الاستعمار، الاضطهاد، العبودية والاستيلاء على الثروات، كل هذه كانت همه».
ويشير إلى أن بعض الزملاء وأيضا في الدائرة الوزارية للدفاع الوطني يشهدون له بأنه قدم مشروعا أساسيا حول اتفاقية منع تخزين الأسلحة الكيماوية وتدويلها، كان لهم دور فعال في تقديم هذا المشروع آنذاك.
ويضيف: «في هذا الموضوع كانت بصمات المرحوم غرابي بارزة، ودوره كان فعّالا على المستوى الدولي وكنت أيضا عضوا في الاتحاد البرلماني الدولي، تشهد له الكثير من الدول والمجموعات والتكتلات براعته في هذا الموضوع».
شلغوم: كنّا سننظّم محاضرة كبيرة حول المخاطر الكبرى
يقول مصطفى شلغوم خبير في المخاطر الكبرى، إنّه تعرف على الفقيد في المعهد الوطني للدراسات الشاملة بصفته الأمين العام للمعهد، حيث شارك معه في العديد من الندوات، ويصفه بالمسيّر الجيد ورجل متواضع، اهتم بموضوع المخاطر الكبرى.
ويكشف: «كنّا سننظّم محاضرة كبيرة حول المخاطر الكبرى، الطبعة السابعة، حضّرنا كل شيء من ناحية اختيار الموضوع والمحاضرين وضبط الموعد في بداية الدخول الاجتماعي، لكن للأسف غادرنا».
وكان آخر عمل تركه المرحوم بالاشتراك مع الدكتور أحمد عظيمي، أستاذ الإعلام والاتصال وخبير أمني واستراتيجي والدكتور مصطفى صايج أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية حول قضية الصحراء الغربية بعنوان: «قضية الصحراء الغربية: الحصيلة والآفاق (1884-2025) من الاستعمار الإسباني إلى الاستعمار الاستيطاني المغربي».