هيكل يجمع تاريخ المنطقة الثورية الثانية ويحفظ ذاكرة تاريخ الجزائر، هو متحف المجاهد لولاية قالمة.
أنشئ في السادس والعشرين من ماي 1996، ليكون محطة تعزز الإيمان بأن الحاضر غرسُ الماضي والمستقبل جَنيُّ الحاضر والتاريخ سجل الزمن للتضحيات التي كتبها المرابطون على هذه الأرض الطيبة.
يُعد إنشاء متحف المجاهد بولاية قالمة، ثمرة لجهود من دوَّن التاريخ الوطني وأعطى لبنة جديدة في بناء صرح المعرفة والثقافة والعمق الحضاري لقيمة ثورة التحرير، التي لا يعود الفضل في تشييدها للفرنسيين الذين خلّدُوها بوحشية الاعتداء الهمجي، وأبشع المجازر والجرائم الإنسانية المحفورة في الذاكرة الجماعية كإجابة دامية على مطلب شعب أراد الحياة، بقدر ما ترمز إلى الآثار التاريخية التي أوجدها شعب عظيم غيور على الجزائر.
قالمة التي لم تتوانى في تلبية نداء المساهمة في كتابة تاريخ الثورة التحريرية الكبرى والتي تحولت إلى بطولات رجال صدقوا في حمل لواء استرجاع السيادة الوطنية، بطولات يرويها المتحف لزائره ويمنحه أخبارها.
معلم فكري.. وصور شاهدة
أول ما يشدُّ انتباه الزائر عند ولوج المتحف، بهوٌ مخصص لقاعة العرض لتلك المجموعات المتراكمة من صور شهداء الثورة والتُحف المختلفة ذات الأهمية التاريخية، كالملابس العسكرية، وبعض الأسلحة داخل صناديق زجاجية تعكس قيمة من لبسها وحَملها، بالإضافة إلى مجسمات لأهم مواقع المعارك بالمنطقة وبعض النسخ الفوتوغرافية لصور مجموعات من جيش التحرير الوطني مرفقة ببطاقات تعريفية لمآثر كل مجاهد استشهد أو مايزال على قيد الحياة، وصور للتجمعات الشعبية ومشاهد التعذيب وحتى الجثث وكأنك تغوص في قلب تاريخ منطقة قالمة.
وبولوج الزائر إلى رواق بجانب قاعة العرض أين تتواجد قاعة سمعي بصري، تقابله مكتبة المتحف التي تتطلب هي الأخرى وقفة مع صفحات التاريخ المتجسد بزواياها المُمتلئة تختزن الرصيد من كتب، وروايات، وكلها ذات قيمة علمية، فنية، وتاريخية، وما أن يخرج الزائر من مكتبة المتحف ليجد نفسه أمام رواق خاص بالرئيس الراحل هواري بومدين، ليجد صور مختلفة لمراحل حياة الشاب محمد بوخروبة من الابتدائي إلى جامعة الأزهر وتلك الملامح القوية المعبرة، ثم صور بومدين المجاهد جنبا إلى جنب مع رفاق السلاح وبعدها بومدين الرئيس والتواضع الظاهر مع المواطنين من كل الفئات وما يزيد في لفت الانتباه الحاجيات الشخصية لبومدين” المتواضعة كطقمين لبذلتين بسيطتين ومعطف وتلك البذلة العسكرية الخضراء فاتح لونها والتي خرج بها بومدين في 19 جوان 1965 لحظة إعلانه عن “التصحيح الثوري”.
غرفة خاصة لتسجيل الشهادات
وحسب مصادر مطلعة، والتي أشارت إلى أن المتحف ومنذ أن افْتتحت أبوابه وجَّه نداء لكل المجاهدين والمجاهدات وأسر الشهداء بالمنطقة وكذلك المواطنين والمواطنات الذين بحوزتهم وثائق وأشياء متعلقة بالمقاومة والثورة التحريرية للتجند من أجل إثراء محتويات المتحف وتعزيز دوره في إنجاح عملية المساهمة في أرشفة تاريخ الثورة.
وعن توافد الزائرين للمتحف فإنه يستقبل عدداً من الزوار من مختلف الأعمار ويزداد عددهم بالخصوص خلال المناسبات المتعلقة بالأحداث التاريخية، هذه الأخيرة التي يحييها المتحف بدوره ويقف عند أهم المحطات التي مرت بها الثورة ومن بينها عيد استرجاع السيادة الوطنية، وذكرى اليوم الوطني للمجاهد، وذكرى مجازر 8 ماي 1945 و20 أوت 1955 معركة مرمورة وغيرها... وإقامة معارض داخل المتحف وخارجه لنشر الوعي التاريخي والثقافي بضرورة حماية الآثار والتحف الأثرية والعمل على تطويرها من أجل الحفاظ على تاريخ ثورة الجزائر المجيدة، والاحتفاظ بروايات كتبت بدماء ومعاناة من رفعوا راية الحرية ولكي تبقى كتابًا مفتوحا لذاكرة الأجيال المتلاحقة. لأن “أمة من دون ذاكرة أمة دون مستقبل”.
دوره في توثيق الثورة
وبفضولنا الصحفي ورغبتنا في إضاءة جانب من تاريخ المنطقة، ومعرفة دور المتحف في توثيق الثورة تساءلنا فوجدنا الإجابة عند “مراد عاتي، أستاذ الحضارة بجامعة قالمة ورئيس المكتب الولائي لأكاديمية الذاكرة الجزائرية، في حديثه مع “الشعب” يقول “إن المتاحف ذاكرة الأمم فالشعوب التي حسمت معركة الوعي كانت سباقة لبناء المتاحف والمحافظة على تراثها المادي واللامادي.”
ويضيف ذات المتحدث، أن “هناك أمم تبني المتاحف لأبسط الأشياء وتعظم شخصيات وأحداث ومقتنيات بسيطة لصناعة تاريخ لها، أما في بلادنا فالتاريخ له زخم يجعل من كل حدث متحفا قائما بحد ذاته فالثورة المباركة تركت لنا رصيدا تحسدنا عليه الكثير من الأمم.”
وأشار الأستاذ مراد عاتي أنه “بالرغم من كل الجهود التي بذلت منذ مطلع الإستقلال فإنها غير كافية تماما فسنوات الثورة لوحدها كفيلة بأن تزود كل بلدية من بلدياتنا الـ 1541 بمتحف يحكي تاريخا مجيدا ويصون ذاكرة أمة صنعت أعظم ثورة في القرن العشرين”، لذلك فإن “ضخ الروح في متاحفنا ورفع عددها وفتح المجال أمام الأسرة الثورية لتزويدها بمقتنياتها يعتبر ضرورة ملحة في زماننا هذا وذلك لتعريف شباب اليوم بأمجاد الأمس وصيانة اللحمة الوطنية في هذا الظرف العصيب”.
ويضيف ذات المتحدث، إن المتحف “ثقافة في حد ذاته نفتقدها في بلادنا في ظل ظاهرة التصحر التي يعيشها المشهد الثقافي في بلادنا بشكل عام، لذلك وجب تربية النشء على ثقافة المتحف وأهميتها في سنواته الأولى، كما أن المتاحف تعتبر مكانا مهما للعائلات الجزائرية للمساهمة في تنشئة جيل واع بأمجاد الماضي وبالتالي مستعد لتحديات الغد”.