شخصيـات صديقـة ساهمت في دعـم الثــورة وتعريــة جرائــم فرنســا
مثقفـون أسسـوا شبكـة لدعـم جبهـة التحريــر الوطنـي بطوكيـو
كان لأصدقاء الثورة حكومات وأفراد دور بارز وهام في صنع الحدث المتعلق بدعم القضية الجزائرية على الساحتين الدولية والإقليمية من الناحية المادية واللوجيستية، حيث ساهمت الشخصيات الصديقة في التعريف بقضيتنا وإقناع شعوبها بمعاناة الشعب الجزائري وتعرية السياسة الإستعمارية الفرنسية.
في هذا الصدد تناولت الطالبة ريمة دريدي في مذكرة تخرج لنيل شهادة ماستر في تاريخ المغرب العربي المعاصر بعنوان: «أصدقاء الثورة الجزائرية 1954 -1962»،تحت إشراف الدكتور بوعزة بوضرساية أهم الدول الأوروبية والآسيوية التي ساعدت الجزائر في حربها ضد المستدمر الفرنسي، ومن بين أصدقاء الثورة اليابانيين نوكيما إتسونوميا Nokuma Utsunomiya الذي تولى رئاسة الجمعية اليابانية الجزائرية والصديق الحميم للجزائر، وكذلك الصحفي الياباني تانيغوشي سوسومو Tangusen susumu، هذا الأخير تناول في مقالين عن الثورة الأول بعنوان «جزائر الخمسين عاما» نشره في مجلة يومبوري شكن كترلي Yombori choken quarterly .
والثاني بعنوان «حرب الجزائر خلال نصف قرن» نشره في مجلة العرب، وهناك حوالي عشر شخصيات يابانية ذاع صيتها في اليابان بدعمها المطلق للثورة الجزائرية من خلال مساعدة ممثلي جبهة التحرير الوطني في العاصمة طوكيو، وهؤلاء هم نوكيما إتسونوميا كان نائبا وفي نفس الوقت مؤسس شركة مينوفاغن وتوكيتا روكيتا مورا، وهو أيضا كان نائبا ووزيرا سابقا للمالية ورئيس البنك التجاري شينوا دوانت، إلى جانب السيد والسيدة ميشهيكو سوزوكي ويوكي تاتسوتاكو وتانيغوشي سوسومي والنائب الإشتراكي كانجيوكاتو الذي تولى وزارة العمل، وكان عضو الجمعية اليابانية لإفريقيا الشمالية.
وأيضا الصحفي الكاتب توكيسا بورودان الذي يعتبر المنظم الحقيقي للحركة المؤيدة لحركات التحرر الوطنية في العالم، وكان الأمين العام للجنة اليابانية المساندة لحركة التحرر الأفروأسيوية وكذلك نغانوكو نيسوكي المحامي الشهير ورئيس الجمعية اليابانية لإفريقيا الشمالية، يضاف لكل هؤلاء أسايافوجيتا Asaya Foujita كاتب مسرحية الظل والشمس ومسرحية المسألة المقتبسة عن كتاب المناضل الفرنسي هنري علاق، والمسرحي يوشيوكي فوكودا Yoshiyuki Fukuda صاحب مسرحية حول الكفاح التحرري الجزائري بعنوان: «سوف نذهب بعيدا «، وتؤكد الطالبة في مذكرتها أن هذه الشخصيات السياسية المثقفة هي التي أسست شبكة دعم جبهة التحرير الوطني الجزائرية في العاصمة طوكيو التي يمثلها آنذاك شعيب طالب، ومصطفى نقادي وعبد المالك بن حبيلس وعبد الرحمن كيوان.
أنريكو ماتي آمن بعدالة القضية الجزائرية
تضيف دريدي في بحثها أن إيطاليا هي الأخرى عرفت شخصيات كرست حياتها من أجل دعم وتأييد الثورة الجزائرية، ووضعت نفسها تحت تصرف قادة الثورة، منهم الصناعي الكبير جيوفاني بريللي Giovanni Pirelli إلى جانب أنريكو ماتي Enrico Mattei الذي عين عام 1961 مسؤولا على مرصد إيطالي يتشكل من فريق تابع لشركة إيني Eni الإيطالية، وقد تم إرساله إلى تونس لتقديم المساعدة للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في المنفى من أجل رسم مخططات للطاقة المستقبلية في الجزائر المستقلة.
وقد استفاد وفد جبهة التحرير الوطني من دراسته التقنية التي وضعها في مفاوضاته مع الطرف الفرنسي في إتفاقيات إيفيان، حيث آمن أنريكو ماتي بعدالة القضية الجزائرية وحق الشعب الجزائري في استرجاع حريته وسيادته على أراضيه، وكان له الأثر المباشر على مستقبل الجزائر المستقلة، بالإضافة إلى كونه أحد العناصر الفاعلة في الحركة الشعبية الإيطالية المناصرة للثورة الجزائرية، والمتضامن معها بفضل الدعم الكبير الذي قدمته شخصيات إيطالية نافذة منها جورجيو لابيرا Giorgio LaPira، الذي كان يتولى آنذاك منصب رئيس بلدية فلورانسا Florence والذي كان يقف وراء عقد العديد من الملتقيات والمؤتمرات حول السلم، من خلالها كان يوجه الدعوات لممثلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية للمشاركة، والتعريف بالقضية الجزائرية منهم على وجه الخصوص أحمد بومنجل الذي شارك ممثلا لجبهة التحرير الوطني عام 1958 بإسم الجزائر الثورية.
علاوة على الناشر الإيطالي الشهير جيانجيا كوموفلتنريللي Giangiocomo Feltrinelli الذي قام بترجمة، ونشر الكتب التي أدانت السياسة الإستعمارية الفرنسية في الجزائر وعرفت المجتمع الإيطالي بها.
ومن بين أصدقاء الثورة اليوغسلافيين رئيسا وشعبا الذين عبروا عن دعمهم المادي والمعنوي اللامشروط، حيث انضمت العديد من الشخصيات اليوغسلافية إلى صفوف المدعمين للثورة الجزائرية، منهم مصور أحداث الثورة المعروف بمصور الثورة الجزائرية ستيفان لابيدوفيتش، دخل التراب الجزائري عام 1959 عن طريق تونس من أجل بداية رحلة شاقة وصعبة وهي تصوير معارك حرب التحرير بداية من منطقة الأوراس بالولاية الأولى.
وتابع لابيدوفيتش مسار الثورة الجزائرية بالكاميرا بشقيها العسكري والسياسي، فتمكن من تغطية مختلف القمم التي عقدتها حركة عدم الانحياز، على اعتبار أن بلاده ركيزة أساسية من ركائزها، وقد حظيت القضية الجزائرية بالاهتمام البالغ من التغطية التي قام بها مصور الثورة، فعن طريقه تعرف العالم على معاناة الشعب الجزائري.
وتوضح الطالبة في مذكرتها أنه كان لزاما على ممثلي الثورة من خلال مكاتبها في الخارج تكثيف الاتصالات مع المعارضين للنظام الإستعماري في كل بقاع العالم، وعليه كانت النمسا مسرحا لنشاط هؤلاء المناضلين الذين أقنعوا هذه الفئة من المجتمع النمساوي بعدالة القضية الجزائرية، فكانوا سندا ودعما لها ومن بين هؤلاء المجاهد ريمار هولز ينغر Reimar Holzinger الذي كان يلقب بالسي عبد الرحمان، والذي يعود له الفضل مع نمساويين آخرين في التعريف بالقضية الجزائرية على المستوى الشعبي في النمسا، وتقديم الدعم المادي والمعنوي للثورة.
ومما ميز هولزنغر هو نشاطه الدؤوب لصالح الثورة من خلال عقد الندوات والملتقيات، وجمع التبرعات المالية ورعاية اللاجئين الجزائريين، والتكفل بهم وقد أطر هذا العمل في جمعية أسسها وأطلق عليها تسمية الجمعية الجزائرية - النمساوية للتعاون بين البلدين، وقد بقي على رأسها إلى غاية عام 1998، وقد أوصى بدفنه في الجزائر، وبالفعل كان له ما أراد عندما توفي عام 2012.
ميلر مؤسس الحظائر الوطنية
بالإضافة إلى مصطفى ميلر الذي هو الآخر شارك في الثورة الجزائرية مشاركة فعالة، وبقي في الجزائر إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية عام 1962، حيث شارك بعدها في بناء الجزائر فكرس بقية حياته في تأسيس الحظائر الوطنية وحمايتها، منها الحظيرة الوطنية لجرجرة.
ومن الشخصيات السويسرية التي برزت الصحفي والمصور والكاتب شارل هنري فافرود أحد أبرز أصدقاء الثورة الجزائرية، ويعود اهتمامه بالجزائر إلى سنوات 1952، وهي السنة التي أنجز فيها أولى تحقيقاته حول الأوضاع في الجزائر لصالح مجلة لاغازيت دولوزات، وفي عام 1956 نشر مقابلة لفرحات عباس قبل أن يصبح رئيسا للحكومة المؤقتة.
ارتكز نشاطه على دعم ومساعدة مسؤولي الثورة الجزائرية، وكان له دور كبير ومهم في عودة الاتصالات بسويسرا بين الطرفين الجزائري والفرنسي بناءً على المحادثات المؤدية لإتفاقيات إيفيان الممضاة في 18 مارس 1962، وكان صاحب مؤلفات عديدة حول الجزائر خاصة كتاب الثورة الجزائرية، وكتاب آخر بعنوان: «جبهة التحرير الوطني»، وله أعمال أخرى ما بين 1959 و1962 منها «أنا مدان كثيرا للجزائر».
وفي شهر سبتمبر 1960 قامت السويسرية إيدي هغنور Idy Hegnauer، والتي شاركت خلال الحرب الأهلية الإسبانية ضمن الخدمة المدنية العالمية في مشروع أيوداسويسا projet Ayuda Suiza بتنشيط أمسية إعلامية موثقة حول اللاجئين الجزائريين في تونس.
وتقول دريدي إنه على إثر ظهور أول إشهار خاص بدعم الثورة الجزائرية في جويلية، أوت، وسبتمبر 1960 في مختلف الصحف اليومية والمجلات الشهرية تلقت اللجنة عشرات الرسائل والبطاقات البريدية والطرود من كل أنحاء المملكة الهولندية وحتى من بلجيكا، حيث عرف يوم 5 فيفري 1960 تنظيم سهرة إعلامية بعنوان: «حياة وموت في إفريقيا الشمالية «.
وقام جون هندريك فان ويجك Jan Hendrik Wijk خلال رحلته إلى تونس في صيف 1959، بتوزيع المساعدات على اللاجئين الجزائريين هناك بمبادرة من فان هنت برين Van Hinte Prins الكاتب العام للحزب الإشتراكي الهولندي بمقاطعة أولترش، وقد فضل تنظيم المساعدات الإنسانية خارج إطار حزبه، هذه المواقف شجعت بعض الأوساط الطلابية على الإنخراط في صفوف الثورة الجزائرية، كما عرفت أمستردام رواجا أوسع وعرفت أعمدة المجلة الطلابية بروبرياكور بمشكل اللاجئين الجزائريين، ومعاناتهم.
وفي أكتوبر 1960 نشرت رئاسة التحرير بيان المائة والواحد والعشرين بقلم كل من لوكا ليغتمبرغ Lucas Ligtenberg وبوب بولاك Bob Polak. من جهتها قامت الجمعية الطلابية الصغيرة المسماة أولفسبورت Olo Fspoort ذات التوجه التقدمي بإرسال برقية احتجاج إلى السفير الفرنسي في هولندا عام 1960، إلى جانب جمعية طلابية أخرى في العاصمة الهولندية أمستردام والمعروفة بجمعية الطلبة الديمقراطيين الإشتراكيين، والتي احتجت على الحزب الاجتماعي الديمقراطي عندما منعت الحكومة الهولندية عام 1958 عقد الندوة التي دعت الجمعية ممثلين عن جبهة التحرير الوطني إلى تنشيطها.
ورغم المنع إلا أن الجمعية قامت بتسجيل الندوة وبثتها في إحدى قاعات العرض، وكان ضمن المتدخلين في الحوار حول الثورة الجزائرية المناضل الشيوعي الهولندي هانك غورتزاك HenkGirtzak وبالتعاون بين الجمعيتان أولفسبورت Olo Fspoort وبوليسيا Politeior، أقيم معرض خاص بالثورة الجزائرية خلال شهر نوفمبر 1959 تحت عنوان: «العام السادس للحرب «، وكان الهدف منه هو عرض الصور والوثائق والأفلام.
فرنسا طاردت أصدقاء الثورة بالاغتيالات
وتطرقت الطالبة إلى الرد الاستعماري ضد أصدقاء الثورة، حيث لم يكن يخفى على أجهزة إستخبارات السلطات الاستعمارية الفرنسية تحركات أصدقاء الثورة الجزائرية، لذلك سعت بدورها وبكل الوسائل لعرقلة هذه الجهود الرامية إلى دعم وتأييد الثورة منذ اندلاعها. ففي 28 سبتمبر 1956 تعرض تاجر الأسلحة الألماني الشهير أوتوشلوتر Ottoshlutter بمدينة هامبورغ الألمانية إلى محاولة اغتيال بسبب تمويله الثورة الجزائرية بالسلاح من خلال علاقته الوطيدة مع جبهة التحرير، وقد لقي أحد عماله في هذه الحادثة حتفه.
وفي 9 سبتمبر 1957 تمت تصفية أحد أصدقاء الثورة في مدينة جنيف السويسرية، وهو جورج غيستر الخبير الألماني في المتفجرات، ولم تتوقف السلطات الإستعمارية الفرنسية في تصفية أصدقاء الثورة قصد التأثير على الثورة في الداخل والخارج، وقامت أجهزتها الإستخباراتية بمدينة جنيف باغتيال تاجر أسلحة ألماني كان يدعم الثورة يسمى مارسيل ليوبولد Marcel Leopold بطلقة سهم مسموم.
بالإضافة إلى أني ستينر Annie Steiner وفليكس كولوزي Felix Colozzi، وإيفات مايو أخت الضابط الفرنسي هنري مايو وهنري تيسي Henri Teissier، واليهودي المصري هنري كوريال والمحامي إيف ماتيو Yves Mathieu.
لم تكن ألمانيا بمعزل عن باقي الدول الأخرى، فقد ظهرت فيها شخصيات دعمت الثورة وأيدتها ماديا ومعنويا، وكان أول شخصية ألمانية ضمن شبكة الدعم والمساعدة تم الاتصال بها ويشنوسكي هانس جورجن مع مجموعة من مناضلي الأممية الرابعة الذين كانوا وراء نشرت جريدة الجزائر حرةAlgerie libre التي أصبحت الناطق الرسمي للجنة دعم ومساندة القضية الجزائرية، والتي أصدرت أولى نشرياتها في مدينة كولون Cologne بألمانيا بداية من سبتمبر 1958 من طرف نادي العمل لأصدقاء الجزائر.
وكان هذا النادي تحت مسؤولية وإشراف هانس جورجن ويشنوسكي، وأصدرت النشرية باللغة الألمانية من طرف شركة رديغو إهرانفيلد، وبداية من أكتوبر 1959 أصبحت الناطق الرسمي للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
وتذكر صاحبة المذكرة أبرز الفرنسيين الذين دعموا الثورة وهم كلود بوردي Claude Bourdet وجيل مارتينات Gilles Martinet وروجي ستيفان Roger Stephane الذي اشتهر كصحفي في مجلة فرانس أوبسرفاتور France Observateur وهرفي بورج Hervé Bourges، وجورج سوفار Georges Suffert من جريدة Témoignage Chrétiens، وبالتحديد أحد مؤسسيها وهو الأستاذ أندري مندوز والدكتور بيار شولي وكلودين والقس سكوتو.
إلى جانب رجال دين مسيحيين آخرين مثل الزوجين جونسون فرانسيس وكولات، وفرانز فانون، موريس أودان، هنري علاق، موريس لابان، جاك فرجاس، موريس طارق مانشينو والمخرج السينمائي جاك شاربي.
وبداية من عام 1957 بدأ العمل الفعلي بتأسيس شبكة سرية أطلق عليها اسم حملة الحقائب.