إرتكبت المنظمة السرية للجيش الفرنسي OAS قبل أقل من شهر على إعلان استرجاع السيادة الوطنية أي بتاريخ 07 جوان 1962، في منتصف النهار وسبعة وعشرين دقيقة جريمة شنعاء يشهد لها التاريخ بحرق مكتبة جامعة الجزائر التي كانت تحتوي على ما يقارب 400 ألف كتاب، ومخطوط من مجموع 600 ألف عنوان وتخريب المكتبة ومخابر العلوم ومدرجين، لتضاف إلى قائمة جرائمها ضد الإنسانية في حقّ الشعب الجزائري منذ سنة 1830.
ختمت الحقبة الإستعمارية بالجزائر تاريخها المريع بجريمة ثقافية في حق العلم والإنسانية، فلم تسلم الكتب والمخطوطات النادرة التي كانت تزخر بها مكتبة الجامعة من أيدي منظمة الجيش السري الإرهابية، لأن هدفها الخبيث والدنيء هو حرمان أجيال الإستقلال من المعرفة والعلوم وبناء دولة جزائرية قوية وكذا محو أي أثر للذاكرة.
وحسب تصريحات شهود تلك الفترة، فإن أبواب الجامعة كانت مغلقة نظرا للأوضاع الأمنية غير المستقرة آنذاك، مما سهل على أعضاء منظمة الجيش السري بالتواطؤ مع بعض الموظفين الفرنسيين العاملين بالمكتبة وضع القنابل الفوسفورية سريعة الإلتهاب والتي طالت أيضا بنايات الجامعة.
بعد هذه الجريمة النكراء أنشأت لجنة دولية لإعادة بناء المكتبة الجامعية يرأسها بعض الأساتذة الجامعيين وعلى رأسهم محمود بوعياد، بحيث كلفت بمهام جمع التبرعات وإعادة بناء المكتبة والبناية، واستغرقت عملية ترميم المكتبة ست سنوات ليعاد فتحها في 12 أفريل 1968.
تعدّ مكتبة جامعة الجزائر من أقدم المكتبات في العالم العربي وإفريقيا بحكم الرصيد القيم من الكتب في مختلف العلوم، إضافة إلى المخطوطات النادرة بالعربية واللاتينية والتي تعود للقرن الـ17 ميلادي، وبعد عملية الإنقاذ من الحريق الذي أتلف العديد من الكتب أسترجع منها سوى 80 ألف كتاب، وتمّ تحويل ما يناهز 200 ألف كتاب إلى ثانوية عقبة بن نافع بالعاصمة وأعيدت بعد عامين إلى مكتبة الجامعة بعد ترميم هذه الأخيرة.
وتشير جريدة «لوموند» الفرنسية في مقال صدر لها بتاريخ 26 أفريل 1962 إلى تهريب فرنسا كل المخطوطات والكتب أياما قبل نشوب الحريق بمكتبة الجزائر في حاويات، وأكد الأستاذ محمود بوعياد المدير السابق للمكتبة الوطنية بحكم أنه كان رئيسا للجنة الدولية لإعادة بناء المكتبة الجامعية فإن جميع المخطوطات النفيسة التي كانت تضمها مكتبة جامعة الجزائر حوّلت مع ما حول من أرشيف إلى فرنسا.
وتؤكد جريدة لوفيغارو في مقالها، أن 500 ألف كتاب من أرصدة المكتبة الجامعية بالجزائر أحرقت.