عبد الستار: ماكرون لخّص الإبادة الجماعية في قضية بومنجل
اعتبر باحثون في التاريخ في تصريح لـ «الشعب «، اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتعذيب وقتل المحامي والقيادي في الحركة الوطنية الشهيد علي بومنجل، بأنه ذر الرماد في الأعين ومحاولة تمييع الأمور، وكأنّ فرنسا قتلت في الجزائر بومنجل فقط، واصفين تصريحات الرئيس الفرنسي بـاللاّحدث.
قال الدكتور عبد الحميد دليوح أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الجزائر 02، إنّ اعتراف الرئيس الفرنسي يعتبر نوعا من سياسة التقطير في الاعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر، وأنّ القضية ليست قضية بومنجل والكثير من شهداء جيش التحرير الوطني ولكنها قضية الملايين من الشهداء الذين قتلتهم فرنسا، مضيفا أن هذه التصريحات كانت مصاحبة لاعترافات أوساريس لرميه لبومنجل من الطابق السادس.
وأشار إلى أنّ الإعلام الفرنسي يعمل كثيرا على تشخيص هذه الجرائم كلما تظهر الشهادات، وقد دأب على محاولة ربطها بأشخاص بعينهم مثلما وقع للجزائريين الذي تم رميهم في نهر السين خلال مظاهرات 17 أكتوبر 1961، حيث ربطها بشخص السفاح موريس بابون.
في هذا الصدد، أبرز أستاذ التاريخ المعاصر أنّ القضية هي إجرام دولة وهؤلاء الأشخاص كانوا يمثلون الدولة الفرنسية، ولم تكن قرارات شخصية من مسؤولين فرنسيّين بل كانت هناك سياسة منتهجة للتعذيب والقتل منذ أن وطأت أقدام الاستعمار الفرنسي أرض الجزائر، وعلى رأسها مذبحة العوفية التي قام بها السفاح دي روفيقو والكثير من المجازر التي تعتبر جرائم دولة ولو أنّهم يحاولون إلصاقها بأشخاص.
وقال أيضا إنّ هذا الإعتراف غير كاف إذا كانت فرنسا تريد طي صفحة الإستعمار نهائيا، فيجب عليها الإعتراف بماضيها الإستعماري الأسود في الجزائر ككل وحدة لا تتجزّأ، وليست حالة بحالة وسياسة التقطير.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر 03، صاغور، اعتراف ماكرون بأنه سيّد الأدلة وبمثابة رد الإعتبار للشخصيات الوطنية للثورة، وبحسبه فإنّ فرنسا تسير بصفة محتشمة نحو الإعتذار، مشيرا إلى أنّ الشعب الجزائري كان ضد الاستعمار وليس الفرنسيين.
وأضاف أنّ السياسة هي توازن القوى، ما يعني أنّ هناك لوبيات داخل فرنسا مثلما هي موجودة داخل الجزائر، كما أن هناك لوبيات ترغب في دفع العلاقات الجزائرية الفرنسية نحو الأحسن، وأخرى تريد عرقلتها.
قضيّة الذّاكرة معقّدة جدّا
من جهته، أوضح الدكتور، حسين عبد الستار، أستاذ التاريخ أن فرنسا تريد تمييع الأمور وكأنّها قتلت في الجزائر بومنجل فقط، ولم يتحدّثوا عن جرائم الإبادة الجماعية منذ سنة 1830، واغتيال الكثيرين من قيادات الثورة مثل الشهيد العربي بن مهيدي، وبالنسبة له تصريح ماكرون أو تقرير ستورا يلزم فرنسا وهو لا حدث.
ووصف الدكتور عبد الستار الإعتراف باغتيال بومنجل بأنّه ذر الرماد في الأعين، وأن فرنسا تريد تلخيص الوجود الفرنسي في الجزائر على أنهم أخطأوا وإغتالوا الشهيد بومنجل بعد تعذيبه، وتجاهلت ملف التعذيب والمفقودين والتفجيرات.
وأضاف أنّ فرنسا لحد الآن لم تتحمّل مسؤوليتها ولا تقدّم ما يكفي من أجل إعادة الملف الجزائري الفرنسي إلى مجاريه، وبحسبه، فإنّ العلاقات بين البلدين يبقى يسودها البرودة ما دامت فرنسا لا تملك الشجاعة للإعتراف بالابادة الجماعية، قائلا: «ما قرأته في كتب التاريخ ولم أر في حياتي أبشع استعمار استيطاني بكل المقاييس في التاريخ المعاصر والقديم مثل الإستعمار الفرنسي لو قورن بالتتار والماغول والوندال المعروفين بالهمجية لا يساوي شيئا أمام الإبادة الجماعية التي قامت بها فرنسا».
في هذه النقطة، أبرز المؤرخ أن فرنسا قامت بجرائم اقتصادية واجتماعية وصلت إلى جرائم الذاكرة، كما أنّ موقف الجزائريين بعيد كل البعد عما تقوله فرنسا، فموقفنا يتكلّم عن الإبادة الجماعية وكل أنواع الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر.
وقال: «في نظري كمؤرخ فرنسا لا نتوسم فيها خيرا لا حاليا ولا مستقبلا، وبالتالي هذا الأمر لا يلزمنا بل يلزمهم»، وبحسبه فإنه حين أدركت فرنسا أن العلاقات بين البلدين تمتاز بالبرودة يحاولون إخراج ملف أو القيام بتصريح أو اتخاذ أي موقف من المواقف لتظهر أنها تريد تسوية قضية الذاكرة، مؤكّدا أن هذه الأخيرة معقّدة جدا وكبيرة جدا كل الكبر بما يصرح به الفرنسيون الذين يدافعون عن مصالحهم، والجزائريون يفكرون بطريقة مختلفة تماما وهي التفكير بحجم تضحيات الشعب الجزائري التي لا يمكن تلخيصها في اغتيال بومنجل أو قيادي واحد من قيادات الثورة.
وأكّد أنّ ملفاتنا معقّدة لا يمكن حلها في يوم أو شهر، وبحسبه يجب أن تكون إرادة فرنسية كافية، وأن تتحمّل فرنسا مسؤوليتها كاملة، وبحسبه فإنّه حين تتقوى الدولة فرنسا تبدأ بالتنازل، وقال: «حاليا فرنسا تفعل ما يحلو لها، لأنّهم مدركين أن الجزائر في وضع صعب محليا، إقليميا ودوليا».