أيقونة مظاهرات 11 ديسمبر 1960، حورية كايفي لـ «الشعب ويكاند»:

“ســروال بوعلام”... قـادني إلى سجن المستعمر

سعاد بوعبوش

مظهرها الأوروبي سهّل مرورها على الحواجز الأمنية

تعد أيقونة مظاهرات 11 ديسمبر 1960، أدخلتها الصدفة التاريخ من أبوابه الواسعة فذاع صيتها وجابت صورتها بالأبيض والأسود العالم، حاملة العلم الوطني وهي على أكتاف إخوانها من المتظاهرين الجزائريين، فكانت رمزا للمرأة المناضلة وهي في أول شبابها مرددة شعارات وطنية تؤكد إيمانها وانتماءها للقضية الوطنية، بل كانت مادة في المنهج المدرسي للسنة الخامسة لجيل الثمانينيات والتسعينيات دون أن تدري، والبداية كانت بسروال المجاهد بوعلام سركوف؟ إنها المناضلة حورية كايفي.
اختارت المناضلة حورية كايفي جريدة «الشعب» لتفتح قلبها لتسترجع معها شريط ذكرياتها وتتوقف عند محطة تاريخية مفصلية في تاريخ الجزائر، فكانت أحد أعلامها وصناعها وشاهدا حيا عليها مازال يتحدث عنها بنفس الانفعال والفخر والاعتزاز وهي في سن 76 سنة.
تعود بنا المناضلة كايفي المولودة في 5 أفريل 1944 إلى تاريخ كان عمرها فيه 16 سنة، وهي الشابة المقبلة على الحياة تجوب أروقة ومحلات العقيبة من أجل شراء مستلزماتها، يوم الأحد 11 ديسمبر، وفجأة تغير الروتين، فإذا بجموع من الشباب يتدفقون من كل صوب في مظاهرات بدأت شعلتها يوما من قبل بحرق المساحة التجارية المعروفة لحد الآن بـ «المونوبري»، أي السبت 10 ديسمبر 1960.

«إذا كان أخي همجيا... فأنا أيضا همجية».. كان ردّها على تشويه سمعة المتظاهرين

جاب الشباب شارع بلوزداد إلى غاية وصولهم إلى سوق 12، الذي كان يضم الكثير من محلات المعمرين والفرنسيين الذين قاموا بغلق محلاتهم خوفا من عمل تخريبي. وكانت كايفي داخل محل السيدة «فيرار» من أجل شراء حاجياتها والتي أغلقت محلها خوفا من المتظاهرين طالبة منهم البقاء رغم إلحاحها فتح الباب لترى إن كان أخوها معهم، إلا أنها رفضت ذلك لغاية مرور من أسمتهم بـ»الهمجيين والسفاحين»، لترد المناضلة قائلة: «إذًا أنا أيضا همجية» وبعد هدوء الأوضاع عادت إلى منزلها.
تواصل المناضلة قصة مشاركتها، أنه في المساء عادت المظاهرات وكانت كايفي قادمة من بيت أختها نحو منزلها، حيث تم إيقافها على مستوى الحاجز الأمني، وسألها: إلى أين تذهبين؟ لتجيب بأنها عائدة إلى البيت، ورد بسؤال آخر أين تقطنين؟ فأعطته العنوان، ليطلب منها مستغربا بطاقة التعريف الخاصة بها ليذهل بأنها جزائرية ويقف مستغربا كيف أن الفتاة التي أمامه صاحبة العيون الزرقاء والجمال الأخاذ وهي في قمة أناقتها بتنورة قصيرة وكعب عال جزائرية، ليسأل مرة أخرى رئيسه «جون بول» حول أمرها، ويشير محورا إجابتها بأنها ذاهبة للالتحاق بالشباب المتظاهر، ورغم ذلك يأمره بإطلاقها.
وبمجرد وصولها إلى المنزل بالعقيبة «محمد مسلم» حاليا، قررت النزول مرة أخرى غير أنها أدركت أن تنورتها لن تساعدها في التظاهر، فقررت الذهاب إلى جارتها المدعوة بـ «خالتي مسعودة «والدة المجاهد لخضر فركوس الذي كان بالجبل وتطلب منها إعارتها سروال ابنها بوعلام، فرفضت هذه الأخيرة خوفا من أن تكشف أمرها للفرنسيين في حال تم القبض عليها وتبوح بأنها من أعطتها سروال الجينز خاصته، ليخرج بوعلام من الحجرة ويقول لأمه أعطيها.
وبالفعل ارتدت المناضلة سروال بوعلام وبمجرد نزولها الشارع مرة أخرى، حتى التقت بابن حيّها سيد علي الذي سألها إلى أين؟ لتجيب: إلى المظاهرات فأعطاها العلم الجزائري ورفعت على أكتاف الشباب المتظاهر، وأخذت تردد شعارات مختلفة «تحيا الجزائر.. تحيا الجزائر»، «الجزائر جزائرية.. الجزائر مسلمة»، وغيرها من الهتافات، وقوات حفظ النظام الفرنسية تدفع بهم إلى الوراء ومنعهم من التقدم، لتواصل المظاهرات وجابت مختلف شوارع العاصمة انطلاق من حي بلكور - شارع بلوزداد حاليا - لتتوسع الى أحياء أخرى كباب الوادي والمدنية، الحراش، القصبة، بئر مراد رايس مناخ فرنسا القبة... وغيرها.
في المقابل أشارت كايفي أن الفرنسيين والمعمرين قاموا بعمل مناوئ للمظاهرات من خلال الدق بالمهراس وترديد شعار «الجزائر فرنسية» وكان الشباب المقيم بما يعرف بـ «دويرات العرب «الجزائر جزائرية»، كما خرجوا في مظاهرات أخرى بشارع ديودش حاليا أيضا كرد على الجزائريين.

 المظاهرات كانت عفوية عكست وعي وتلاحم الشعب الجزائري

وذكرت المتحدثة أن المظاهرات كانت عفوية وعرفت تفاعلا كبيرا معها وفرح بها المجاهدون في الجبال ووصل صداها إلى العالمية، ومنعرجا حاسما في مسار النضال الوطني وعرّت الاستعمار وكشفت وجهه الحقيقي، بعدما عرفت استعمالا عنيفا للقوة بالدبابات والمدافع والرصاص، نتج عنه الكثير من القتلى والجرحى وفي مقدمتهم الطفلة صليحة، كما تم الإغارة على بعض الجزائريين وهي الليلة التي تم فيها القبض على سي الزوبير المعروف بـ «روشاي بوعلام» وقتله.
وبعد أسبوع من خروجها للمظاهرات جاءت الشرطة الفرنسية إلى بيتهم في حدود الساعة الثانية صباحا، مرفوقين بـ»البياع» مغطى الوجه ليتم اقتيادها لملعب معروف بأنه تحت سيطرة النقيب «ديالاس» ثم إلى مكان آخر ومن ثكنة إلى أخرى، وبعد ثلاثة أيام من العطش والجوع وقلة النوم، تم التحقيق معها وهنا بدأ العذاب النفسي، حيث طلب منها الكشف عن أسماء من دبّروا المظاهرات فأنكرت معرفتها بهم، وأنها من المستحيل أن تعطي أسماء شباب حيّها وجيرانها، ليتم لكمها على مستوى أعلى خدّها، والتي تسببت لها فيما بعد بآلام كبيرة ومضاعفات مع الوقت تطلبت تدخلا جراحيا من أجل إنقاذ عينها، ليتم فيما بعد اقتيادها إلى خيمة صغيرة أين وجدت الكثير من جيرانها وأبناء حيّها والذين هبّوا إليها مطمئنين إياها بأنها بينهم ولا داعي للخوف.

جمالها سهّل لها التواصل مع أهلها

وفي اليوم الموالي انتهى المطاف بكايفي في ثكنة بني مسوس، التي مكثت فيها ثلاثة أشهر، في الوقت الذي كانت عائلتها تبحث عنها علّها تجد أثرا لها. وبعد هذه المدة وبفضل جمالها، تقدم إليها أحد الجنود في الساحة بعد أن رأى أنها الوحيدة التي لم يكن يزورها أهلها وتتلفت من جهة إلى أخرى علّها تسمع اسمها من مكبّر الصوت بأنها معنية بالزيارة، ليغازلها ويعرض عليها المساعدة في التواصل مع أهلها، شرط أن لا تخبر قادته بذلك، خاصة وأنه كان من بين الجنود الذين حضروا عملية القبض عليهم، وبالفعل تمكنت أخيرا من رؤية أهلها، وهنا توقفت متأثرة لدى تذكرها دموع والدها عندما رآها بالسجن وهو لا يصدق انه وجدها أخيرا، متسائلا لما تم اقتيادها؟، فهي شاركت ككل الشباب الجزائريين في المظاهرات.
وأكدت المناضلة أن ما كان يؤنس وحدتها طوال سنة مكوثها بثكنة بني مسوس، هو وجود زميلات لها في محنتها، على غرار حورية زيراري أخت زهور زيراري، وبعد عام من السجن أطلق سراحها في سنة 1961 وهي في 17 من عمرها، حيث اعترتها فرحة كبيرة لدى خروجها، لأنها أخيرا استعادت حريتها، وهي نفس الفرحة التي عاشتها مع أهلها لدى استقبالها وأبناء حيّها.
وبعد مرور وقت معين على خروجها من السجن، أشارت المتحدثة إلى أن المجاهد بوبكر محمد جاء إلى بيتها وسأل عنها، وتحدث إلى أختها ومنحها الصورة التي انتشرت في العالم والتي تم الاحتفاظ بها في المتاحف وكل الأماكن التي تعنى بالذاكر الوطنية، والتي خلّدت مشاركتها في المظاهرات.
وأكدت المناضلة، أن مشاركتها حتى وإن كانت صدفة، إلا أنها غيّرت كثيرا قناعتها ورؤيتها للأمور، فهي كانت هبة شعبية عكست وعي الشباب بمصيره، وكرّست التفاف الشعب حول قضيته وتماسكه، ولأول مرة تخرج المرأة إلى جانب أخيها الرجل لتؤكد التلاحم الكبير بين شرائح المجتمع الجزائري، داعية شباب اليوم إلى المحافظة على بلادهم فهي أرض الأجداد والمستقبل، وستبقى دائما مطمع الأجانب وعرضة للألاعيب والدسائس.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024