مظاهرات 11 ديسمبر 1960 جعلت السلطة الاستعمارية في مواجهة شعب بأكمله، وكل ما خططت له فرنسا لتثبيت فكرة الجزائر فرنسية ذهب هباء منثورا، وأثبت للرأي العام العالمي شرعية الثورة، فالمظاهرات أظهرت انضمام الشعب الجزائري المسلم بعفوية والتفافه حول قيادته، وهي بمثابة استفتاء شعبي وممارسة فعلية لحق تقرير المصير، وكسرت شوكة المستوطنين، حيث أكدت التقارير الرسمية الفرنسية أن الشعارات التي رفعت في المظاهرات أصابت المستوطنين بالرعب.
ما ميز الثورة التحريرية وجعلها عظيمة هي أنها ولدت من رحم الشعب، الذي وقف ضد رغبات غلاة الاستعمار وأهدافهم فكانت المظاهرات بمثابة جرعة أوكسجين للثورة، وانتصارا سياسيا في هيئة الأمم المتحدة، كما شكلت ضربة قاضية للسياسات الفرنسية والجنرال شارل ديغول، خرجوا في مظاهرات مصيرية من 9 إلى 16 ديسمبر 1960 للتعبير عن إرادتهم في الإستقلال الكامل والشامل.
في المقابل، شكل حق تقرير المصير في ميثاق الأمم المتحدة الأداة الأساسية التي استخدمتها قيادة جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في المحافل الدولية في نضالها السياسي والدبلوماسي لإنهاء استعمار الجزائر وحصولها على الاستقلال، وهذا ما أبرزه الأستاذ الدكتور الخير قشي من جامعة سطيف 2 في مقال له بعنوان: «مظاهرات 11 ديسمبر 1960 في سياق التأثير المتبادل بين حق تقرير المصير وتدويل القضية الجزائرية».
وأكد أن المظاهرات قدمت للمجتمع الدولي سواء من حيث شموليتها للإقليم الجزائري بأكمله، أومن حيث الشعارات المرفوعة دليلا قطعيا على أن حق تقرير المصير لا يمكن التنازل عنه أوإنكاره. وأشار إلى أن بيان أول نوفمبر 1954 أدرج حق تقرير المصير، ولم تتردد جبهة التحرير الوطني عن إعلان إستراتيجيتها الداخلية والخارجية المستندة أساسا على حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة في أول نداء وجهته الكتابة العامة للجبهة إلى الشعب الجزائري، حيث نص الإعلان على أن الشعب الجزائري متحدا حول الإستقلال.
وأوضح أنه خارجيا فإن العمل المستقبلي يبني على استثمار العلاقات المتميزة مع المتعاطفين والمساندين للثورة الجزائرية خاصة من طرف إخواننا العرب والمسلمين، وضرورة استغلال الانفراج الدولي المناسب لتسوية قضيتنا من خلال تدويلها كأحد الأهداف الخارجية بطرحها على مختلف المحافل الدولية، لذلك تم الاستناد إلى ميثاق الأمم المتحدة وما تضمنه من حقوق وحريات، والتأكيد على إحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أوديني كوسيلة لتحقيق الاستقلال الوطني.
بالإضافة إلى التمسك الصريح بحق تقرير المصير الذي كرسه الميثاق كوسيلة لإنهاء الإستعمار خاصة في العلاقات مع فرنسا كدولة استعمارية، حيث عبر البيان عن تمسك الجبهة بتفادي إراقة الدماء وتحقيق السلم والأمن كأحد المقاصد، والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة من خلال المفاوضات.