صنعتها الفرقة الفنية لجبهة التحرير

جبهات مقاومـة.. خارج ميدان المعركـة

حبيبة غريب

قاوموا الاحتلال بفنّهم ومواهبهم وكانت مهمتهم نشر الوعي وتأجيج نار الثورة وزرع الروح الوطنية في أوساط الشعب. جعلوا القضية الوطنية مواضيع لعروضهم وجعلوا كلمات حرية وصمود وتحدي وانتفاضة ضد الاستعمار والطغيان عناوين لفصول مسرحيات هادفة ومحاور أغاني ثورية ملتزمة.
إنهم المثقفون والفنانون الجزائريون الذين ناضلوا جماعات وفرادى وجعلوا مواهبهم في خدمة القضية الجزائرية ونضال الشعب من أجل تحقيق مصيره واسترجاع السيادة الوطنية وعانوا الاضطهاد والسجن والتعذيب والنفي، لكنهم استطاعوا أن ينتصروا للقضية وأن يبرهنوا أن تفجير ثورة نوفمبر 1954 المجيدة، لم يأت صدفة بل كان مشروع بناء دولة حرة مستقلة، انطلقت لبناته الأولى من تصور ذكي واستشرافي حمله بيان أول نوفمبر التاريخي.
لقد تفطنت جبهة التحرير الوطني إلى قيمة الفن والثقافة في التعريف بقضية الشعب الجزائري، فوظفت الكفاءات والمواهب ولبّى الكثير النداء، فشحذت الأقلام وأججت القوافي، ونظمت العروض التي جابت العالم وتخطت الحدود وتجاوزت الحصار الذي فرضته فرنسا الاستعمارية على الجزائر.  
شعراء وأدباء، ممثلون مسرحيون وموسيقيون، ملحنون وفنانون تجنّدوا واتحدوا تحت راية جبهة التحرير الوطني وكونوا سنة 1957 الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، بقيادة الراحل مصطفى كاتب والتي جابت الكثير من الدول العربية والأوروبية والآسيوية، حاملة رسالة النضال الجزائر وقضية تقرير المصير، وفاتحة بالكلمة المعبرة واللحن القوي جبهات متعددة على العدو الفرنسي.
محمد الثوري، عبد الحميد بشطارزي، الملحن مصطفى سحنون، الممثل حسان الحساني، نورية، علي معاشي وأغانيه الملتزمة، مفدي زكريا وقصائده التي أرهبت فرنسا الاستعمارية، عبد الحليم رايس وكتاباته في المسرح الثوري، الهادي رجب، بلاوي الهواري، وسعيد سايح وصافية كواسي وحليمة زرقاوي، مواهب قدمت عروضا وحفلات أبهرت العالم في الداخل وشاركت في توعية الجزائريين في الداخل، وواصلت نضالها حتى بعد الاستقلال واضعة فنها ومكنوناتها في خدمة معركة بناء الجزائر المستقلة.
لقد كسبت جبهة التحرير الوطني التحدي الكبير بتأسيس الفرقة الفنية وأيضا الفرقة الرياضية، الرهان على النضال السلمي والدبلوماسي باستعمال الفن والثقافة ومواهب الجزائريين، فجاء الانتصار بالتعريف والترويج ومخاطبة الشعوب والحكومات بالكلمة الملتزمة والأغنية الثورية ومن خلال تضحيات الفنانين والمثقفين.
هذه التضحيات التي تحتاج دائما تمجيد أصحابها والعرفان بإنجازاتهم وأعمالهم، لا بتكريم أسمائهم وذكرها في المناسبات فقط، بل بتعريف الأجيال بمسيراتهم وتضحياتهم من أجل الجزائر المستقلة، من خلال أفلام تاريخية تسلط الضوء على جوانب حياتهم الشخصية والفنية.
تحتاج هذه الأسماء أن يذكر التاريخ أنهم نساء ورجال تحدوا أعراف مجتمع محافظ لا يقبل باسم التقاليد والدين والحياء والشرف أن يغني أو يرقص أو يمثل أبناءه وبناته جهرا وقاوموا على طريقتهم بطش الاستعمار الفرنسي الذي سرعان ما تفطن للحيلة تفهم أن هؤلاء الفنانين يشكلون خطرا أكبر على مخططاته لأنهم يستطيعون كسر قيود الجهل والفقر وطمس الهوية التي كان يفرضها على عقول الأهالي وبصيرتهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19546

العدد 19546

السبت 17 أوث 2024
العدد 19545

العدد 19545

الخميس 15 أوث 2024
العدد 19544

العدد 19544

الأربعاء 14 أوث 2024
العدد 19543

العدد 19543

الثلاثاء 13 أوث 2024