أنجز الباحث الأمريكي كليمون مور هنري، في هذا البحث 32 مقابلة تطرق أصحابها من أعضاء الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين لتلك الفترة التاريخية، مما أتاح له الفرصة كمؤرخ لتحليل وتمحيص ما توصل إليه بحثه بالآراء الشخصية التي أفاد بها أعضاء الاتحاد، حسب ما جاء في مقدمة الكتاب بقلم الأستاذ علي الكنز.
وأوضح أن التنظيم الطلابي الجزائري لم يعمر طويلا، إلا أن لمساره مغزى عميق الدلالة من حيث أن هذه الحركة الطلابية قد تأسست بمبادرة مستقلة من طرف الطلاب الجزائريين الذين جندوا أنفسهم للكفاح من أجل استقلال وطنهم.
وأشار في هذا السياق إلى أنه غداة الاستقلال حلّ الاتحاد ليفسح المجال لتأسيس الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين، وحسبه فإنه في كلتا الحالتين يتعلق الأمر بتنظيم الطلبة، إلا أنهم في هذه المرة- قال- قد زج بهم في أحضان تنظيم جماهيري تحت إشراف الحزب الواحد،وليس ضمن تنظيم مستقل من تنظيمات المجتمع المدني.
وأضاف الأستاذ علي الكنز أن المؤرخ الأمريكي كليمون هنري أنجز دراسته على ضوء هذه المستجدات، حيث دفعته ثقافته الأمريكية ليولي اهتماما خاصا لكل ما له علاقة باستقلالية المجتمع المدني، كما أنه حاول في هذا الكتاب الإحاطة بعناصر الجدلية السلبية، التي أفقدت التنظيم الطلابي المدني استقلاليته ودفعته شيئا فشيئا للوقوع في قبضة النظام السياسي.
وقد أثمرت نتائج دراسته التي استغرقت سنوات عديدة من البحث والتقصي والتنقيب في مكامن الأرشيف، وكذا القراءة الدقيقة في مؤلفات من سبقوه، عن إنجاز هذا الكتاب، وقد كان في كل خطوة يخطوها يضع فرضيات، ويستشير علي الكنز حول أطروحته التي لم يكن متأكدا مما ستسفر عنه، وذلك نظرا لطبيعة منهجية البحث التي سطرها قصد تحقيق أهداف دراسته.
وأبرز الأستاذ الكنز في مقدمته، مدى الاهتمام والحرص الشديد للباحث الأمريكي كليمون في جمع المادة التاريخية من أفواه أولئك الذين كانوا يومئذ طلبة فاعلين وما يزال جلهم على قيد الحياة، وهذا ما مكّنه من تدعيم الإطار التاريخي الذي حدده لبحثه وأضفى عليه بعدا إنسانيا وجوديا، بحيث أنه يتعلق بتجربة جماعية وفردية قلّ نظيرها، على حد قول علي الكنز.
وأضاف بأنه بهذه الطريقة كان البحث التاريخي مدعوما بقراءة متبصرة في تجربة الطلبة الجزائريين الملتزمين، أو كانوا معنيين بشأن الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، ولهذا الغرض أنجز كليمون 26 مقابلة أسفرت عن 36 شهادة حية للأعضاء القدماء للاتحاد، مما زاد في قيمة البحث الذي عبرت فيه كل شخصية عن وجهة نظرها وقدمت تعليلات لذلك.
وللعلم، فإن إصدار المؤرخ كليمون مور هنري قسم إلى ثلاثة أقسام، حيث وضع لمؤلفه الخطة العريضة لإبراز المراحل الكبرى، ونجد كل مرحلة منها تزودنا بمعلومات ثرية وتطلعنا على مفاجئات استخرجها الباحث من مضمون المقابلات التي أجراها.
فالمرحلة الأولى تتحدث عن التأسيس التي مست ما يربو عن ألف طالب، الذين بادروا بتنظيم صفوفهم ضمن جمعية مدنية طبقا لقانون الجمعيات الفرنسي الصادر سنة 1961، ويلاحظ كليمون أن الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين أصبح وحدة من وحدات الكفاح التابعة لجبهة التحرير الوطني، لكنه حرص على الاحتفاظ بوضعيته كتنظيم مستقل عن الجبهة.
أما المرحلة الثانية(1957-1961)، فقد كان الطلبة يومئذ في عز التعبئة الوطنية التي أملتها ضرورة الاستماتة في الكفاح إلى غاية نيل الاستقلال، ولم يكن أحد يعلم متى يحين الأجل ففي هذه المرحلة وضع الاتحاد نفسه في خدمة الكفاح التحريري وفي أثناءها غادر العديد من مسؤوليه مقاعد الدراسة، ودخل بعضهم في النضال السري، وألقي القبض على البعض الآخر، بينما غادر آخرون الجزائر، وصار منهم ممثلون لجبهة التحرير الوطني بالخارج.
وتطرق كليمون في المرحلة الثالثة من بحثه، إلى الظروف التي عاشها الطلبة في مواصلة دراستهم في مواجهة الطلبة الفرنسيين والمضايقات البوليسية، التي تطاردهم من مكان لآخر فاختار معظمهم معترك الكفاح، مشيرا في هذا السياق إلى أن المعلومات التي استخلصها من شهادات الذين حاورهم تثير فيه مشاعر الإعجاب تارة، والشعور بالأسى تارة أخرى من قسوة العقوبات التي كانت محدقة بهم إذا ما ارتكبوا أبسط خطأ، بالرغم من أنهم يتقلدون مسؤوليات كبيرة في المحافل الدولية.
وأبرز أيضا أن هؤلاء الطلبة الذين لم يكن يتعدى سنهم 25 سنة، كانوا واعين وبفضلهم استطاعت الجزائر رفع التحدي بعد استرجاع السيادة الوطنية، بوسائل شبه منعدمة وحملوا على عاتقهم مهمة مواصلة تشغيل الهياكل القاعدية الموروثة عن الاستعمار، واستطاعوا مضاعفة الطاقات عشرات المرات في بضع سنين.
إصدار “لكليمون مور هنري” يضم شهادات قدماء أعضاء الحركة الطلابية الجزائرية:
ثمرة سنوات من البحث والتمحيص في الأرشيف
سهام.ب
شوهد:1418 مرة